وما أدراك ما النيلة!
النيلة، هذه المكعبات الزرقاء التي تشبة مكعبات الماجي، ما زال جيلي يذكرها، حيث كانت تضاف الى الملابس خلال عملية الغسل، داخل اللقن طبعا، وكنا نراقب مهرجان الألوان عند إضافة النيلة الى الماء.
اللون النيلي كان يتم الحصول عليه من النيلة وهي مادة صبغية بالغة الثبات وإحدى السلع التي سرقها المستعمرون الأوائل من القارة الأمريكية، ومن أمريكا الوسطى، وكان يتم تصنيعها عن طريق نقع أوراق نبته ما، ثم الحصول على الوحل الناتح وتجفيفه.
أما بالنسبة للون القرمزي ، فقد كان يتم الحصول عليه عن طريق جمع حشرات القرمز،وهي من أنواع الحشرات التي تعيش على نبات الصبار، ثم تجفيفها وطحنها، وكانت يتطلب جمع 70 الف حشرة وتجفيفها من أجل الحصول على رطل انجليزي واحد من مسحوق اللون القرمزي.
التقت النيلة واللون القرمزي في المكان (أمريكا الوسطى والمكسيك) حيث كان المستعمر الإسباني يستحدم مئات الالاف من العبيد من اجل عمليات التصنيع، لكن النيلة واللون القرمزي افترقتا في الترميز والدلالة، افترقا مصيريا متناقضا.
بالنسبة للون القرمزي، فقد صار اللون المتبع في بلاط الأباطرة نظرا لسعره المرتفع، ولم يعرف هؤلاء أنهم يتمخترون على مقبرة هائلة من حشرات الصبار، للعلم ما تزال هذه العادة رائجة حتى الان، لكن بألوان كيميائية أقل تكلفة بكثير.
أما حصتنا، فقد كانت النيلة التي جاءتنا خلال الحروب الداخلية والغزوات، ونظرا لثبات اللون، فقد استخدمتها النساء لتعليم ملابس المحاربين الهاربين من المعارك، حيث يتم تعليم ملابسهم بالنيلة الزرقاء (اللون النيلي)، وهناك قصيدة كركية قديمة تتحدت عن (مريم النحاس) التي كانت تعلّم ملابس المنهزمين بالنيلة (خلال القرن التاسع عشر) خلال وجود عشيرتنا في الكرك، مما كان يجعل امكانية الثبات في المعارك أقوى، خوفا من التنييل والفضيحة.
بصراحة:
- كم نحن بحاجة الى ملايين النساء من أمثال مريم النحاس، تحيطنا من كل الجهات وتقوم بتنييل الهاربين من مواجهة الحياة والواقع.
الدستور