قراءة قانونية بالتهمة الأولى في قضية "الفتنة"
المحامي د. يزن دخل الله حدادين
19-06-2021 01:09 PM
ورد في لائحة اتهام مدعي عام محكمة أمن الدولة بالقضية التحقيقية ("قضية الفتنة") ثلاث تُهم للمتهمين الرئيسيين باسم إبراهيم يوسف عوض الله والشريف عبد الرحمن حسن زيد حسين. أثارت التُهمة الأولى العديد من النقاشات القانونية المُتعلقة بتَقويض نظام الحكم مما وجب سرد بعض الإيضاحات المُتعلقة بهذا المصطلح القانوني.
التهمة الأولى المُسندة هي التحريض على مُناهضة نظام الحُكم السياسي القائم في المملكة بالاشتراك خلافاً لأحكام المادة 149/1 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته وبدلالة المادة 76 من ذات القانون بالنسبة للمتهمين الأول (باسم إبراهيم يوسف عوض الله) والثاني (الشريف عبدالرحمن حسن زيد حسين آل هاشم).
نصت المادة 149/1 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته على ما يلي:
"يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من أقدم على أي عمل من شأنه تقويض نظام الحكم السياسي في المملكة أو التحريض على مناهضته وكل من أقدم على أي عمل فردي أو جماعي بقصد تغيير كيان الدولة الاقتصادي أو الاجتماعي أو أوضاع المجتمع الأساسية."
من الناحية الّلغوية، فان مُصطلح التَقويض الوارد في المادة أعلاه يمكن تفسيره على أنه نقض البِناء والقَلع والازالة. بالتالي فيه إخلال بالأمن ووحدة الدولة والمُجتمع وشَق صَفَّهم مما يستدعى إيقاع العقاب على الفاعلين. إن تُهمة تَقويض نظام الحُكم تتطلب أركاناً جُرميّة تقوم على السعي، وضمن عمل مخطط اجرامي، الى هَدِم النظام الاقتصادي أو التأثير على النظام السياسي أو السعي الى التأثير على نظام الحكم. كما يجب توافر "القصد" كأحد الأركان الماديّة للجريمة، والقصد غالباً يدخل في إطار النوايا. بالإضافة الى ذلك، يجب النظر بالنتائج والمسائل التي سبقت أي فعل من الأفعال الجُرمية المُسندة للمتهمين والتي تُعتبر أعمال تحضيرية.
أما تُهمة "التحريض" على تَقويض نظام الحُكم الواردة في لائحة الاتهام فإنها تتطلب فهم هذا المصطلح من عِدّة نواحي. التحريض باللغة يعني الحث والأمر على الشيء وهو بمعنى التحضيض، أي الحث والإحماء على الشيء بكثرة التربص والحمِل على فعله بتأكيد الإسراع. فالمسعى من التحريض هو حث الغير على ارتكاب أمر غير مشروع، ومنه الحث على تَقويض نظام الحُكم. واصطلاحاً التحريض هو التأثير على الغير ودفعه نحو إتيان الجرم، سواء كان ذلك بوعد، أو إغراء أو غير ذلك. ويُعتبر مرتكباً جريمة التحريض كل من حَرّض أو ساعد أو اشترك مع الغير على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني وإن لم يتم النجاح بتنفيذ العمل المنوي والمُجرَّم في القانون. بهذا المدلول يمكن أن نستنتج بأن التحريض هو عبارة عن مساهمة جنائية قد تكون سابقة لارتكاب الجريمة أو معاصرة لها.
يمكن أن تكون وسيلة التحريض مادية تقليدية، كالحديث شفاهه، أو عن طريق الكتابة، أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد أوقات بعينها لارتكاب الأفعال المخالفة للقانون. فالركن الشرعي للجريمة يعني وجود النص الذي يُحرّم الفعل ويوضّح العقاب المترتب عند وقوع الفعل، وهذا ما نصت عليه المادة 149/1 من قانون العقوبات الأردني. أما الركن المادي لجريمة التحريض يتكون من عدِّة عناصر من ضمنها سلوك إيجابي أو سلبي، ونتيجة يحققها هذا السلوك، وعلاقة سببية تربط السلوك بالنتيجة.
إنه من الضروري أيضاً العلم بأن إجراءات المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة هي كأي محكمة نظامية جزائية في المملكة، ويحق للمتهمين تقديم دفاعاتهم وبيناتهم عن طريق المحاميين الممثلين لهم. كما تقوم النيابة العامة بتقديم بيناتها والاستماع للشهود، وعليه يكون للمتهمين فرصة تقديم إفاداتهم ودفاعهم في التهم الموجهة لهم، ومن ثم تقوم المحكمة بإصدار قرارها عطفاً على ذلك، ويكون هذا القرار قابل للتمييز من المحكوم عليهم على أن يتم التمييز بالقرار خلال ثلاثين يوم من صدور قرار المحكمة، وتنعقد محكمة التمييز من خمسة قضاة على الأقل وتعتبر محكمة للموضوع يجوز لها أن تصدّق الحكم أو تنقضه وتبرئ المتهم أو تدينه وذلك ما نصت عليه المادة 10 من قانون محكمة أمن الدولة. كما تجري إجراءات المحاكمة علناً الا إذا قررت المحكمة خلافاً لذلك للمصلحة العامة وفقاً للمادة 8 من نفس القانون، كما تصدر محكمة أمن الدولة أحكامها بالإجماع أو بأغلبية الآراء حسب ما حددته المادة 9 من ذات القانون.
ختاماً، التوضيح القانوني أعلاه يمثل قِراءة شخصية للقانون والإجراءات فيما يتعلق بالتهمة الأولى المُسندة للمتهمين. من الجانب العملي فان المدعيين العاميين والقضاة الأردنيين لديهم الخبرة الكافية والمعرفة القانونية العلمية التي تؤهلهم لمعرفة خصائص وأركان الجريمة وما ينطبق عليها من خصائص جريمة تقويض نظام الحكم. إنّ القضاء العادل في المملكة الأردنية الهاشمية كفيل وقادر على تحقيق العدل واحقاق الحق. إن السلطة القضائية في الأردن تحمل على عاتقها مهمة عظيمة وصعبة للغاية، والقاضي الأردني هو المحور الرئيسي الذي يرتكز عليه العمل القضائي وهو على قدرٍ كبير جداً من الوعي والحكمة والعلم للوصول إلى الأدلة والبراهين التي تحافظ على حقوق الدولة والأردنيين.
حمى الله الوطن في ظل قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وأدام الله الأمن والأمان على الجميع.