بعد أن عهدت إرادة الملك ورغبته السامية بتكليف دولة سمير الرفاعي برئاسة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وتجديد تشريعاتها وتعديل قوانينها الناظمة للحالة السياسية في الأردن, ونحن على العتبة الأولى من مئوية الدولة الأردنية الثانية, استجمعت نفسي وقلمي وبوعٍ صادقٍ وأمينٍ للكتابة حول قدرة دولته على إنجاز المهمة الملكية, ويقيني الأكيد بنجاحه في تحقيق المطلب الملكي السامي ,الذي يعد أول خطوة واثقة نحو المئوية الثانية للدولة الأردنية ,بل نحو بر الأمان وسفينة النجاة . لا يساورني الشك في أن دولته هو الوحيد القادر على استدراك أزمتنا السياسية ,ووقف نزيف الأخطاء الإدارية ,وهو أوعبُ من عرفتهم اصلاً وفصلاً ونسباً وسيرةً ومسيرةً تاريخاً مجيداً حافلاً بالعمل والتضحية والوطنية من تاريخ الأجداد وأحفاد أجداده ووالده ,وبين أقرانه رؤساء الوزارات السابقين هو أجداهم محصولاً ,وأكثرهم نفعاً وخوضاً بقضايا الوطن والأمة, و أشدهم صلةً وقرباً بالمواطنين, كالغيث اذا حل في مكان نفعه.
أمام مشروعه الإصلاحي التنويري ,لا يقف تيار الشؤم والعدمية ونعيق الغراب الأسود والمتشككين لحظةً واحدة, وإن تعطلت مصالح هؤلاء وضاق أفقهم ,ولطالما كانت شخصيته اللا جدلية واللا تنازعية واللا تخاصمية ,فقد أتاحت له القدرة على اكتمال صورته, وغدا جندياً مخلصاً لم يحنث بيمينه الدستوري أمام الملك, أما لماذا دولة سمير الرفاعي؟
هو اول رؤساء الوزارات السابقين الذي قدم قراءةً واعيةً للأوراق النقاشية الملكية قبل ست سنوات تحت عنوان "قراءة في الرؤية الملكية المتكاملة للحوار والتطور الديمقراطي ..الأوراق النقاشية نموذجاً بمناسبة التعديلات الدستورية المنتظرة حينها, ونحن نعلم بأنه المنطلق الاسترشادي للجنة الملكية الحالية هي الأوراق النقاشية, التي كرست ثقافة الحوار الوطني ,ورفع القضايا التي تختلف حولها الآراء, وتتباين فيها الاجتهادات إلى مستوى النقاش العام ,وهو أول من قال إن من نعم الله علينا ,في الأردن أن لدينا قيادة تمتلك الرؤية والإرادة السياسية للتطور, وأول من التقط هذه الإشارة الملكية وبنى عليها المشروع الإصلاحي المنوي تحقيقه في هذه الأيام.
ودولته أيضاً من باب المواطنة الحقيقية والصادقة دعا, وقتها إلى أن الواجب الوطني الصحيح هو أن نقدم معاً نموذجاً فريداً في التكامل وضمن الروح الإيجابية الفاعلة , وبالاستناد إلى لغة الحوار البناء والهادف وتأطيره ...لتحقيق نهضتنا الوطنية ومواصلة رسالة الملك في خدمة الوطن والأمة ,وعلى جانب آخر هو أول من لبى دعوة جماعة عمان لحوارات المستقبل ,وقبلها بسنوات تحاور مع جماعة الاخوان المسلمين لتشجيعهم على الانتخابات النيابية البرلمانية عام 2010م , وتجلى وقتها بصورة رجل الدولة الذي يصنع نفسه بنفسه ,ويشق غمار طريقة وسط الصعاب والتحديات الجسام متكئاً على إرث سياسي ضخم وحكيم.
فبعد أن سكن الوطن في نفسه وقلبه سكوناً تاماً, سكون العابد بمحاريبه ,لم يضع عصاه جانباً, ولم يرخِ سدول ليله, ولم تنام له عين, ولم تقر, ولم يهدأ له فكر, بعد رئاسته للحكومة ,ظل على تواصل دائم مع مجتمعها عبر لقاءاته الحوارية في الجامعات والمعاهد والاندية والمنتديات والجمعيات الخيرية ودواوين العشائر الأردنية ومضافاتهم التي تحولت إلى نشاطات وطنية فاعلة على أساس قواعد الاشتباك الإيجابي بالحوار والتواصل والتفاعل المجتمعي ,ففي المدن والقرى والبوادي والمخيمات نجده يعرض مشروعه الوطني الإصلاحي ,وما يستجمعه الوطن من تحديات ومصاعب.
وما يمليه عليه حسه الوطني وسماحته كسماحة رسالة عمان التي ترأس أمانتها وعهدتها المستندة على الحوار وتجديد الخطاب الديني دونما إلغاء للأصل الموروث ,وترسيخ ثقافة احترام الرأي والرأي الآخر والتوجه الديمقراطي ,وانشغاله بتوضيح ماهية الدولة الأردنية وقضاياها المركزية في ظل الظروف الإقليمية والدولية والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عبر عقد من الزمن.
وتنفيذاً منه للرغبة الملكية السامية بالاستماع لمطالب المواطنين عبر ميادينهم تجلت صورة دولته برجل الدولة والميدان ,الذي يعرض الفكرة , ويشخص المشكلة ويصف الحلول لها, إلى جانب آخر, أنشأ صفحة إلكترونية عبر وسيلة الفيس بوك وتويتر-كذلك الأمر- على أسس الحوار والنقاش من أجل وضع تصور برامجي إصلاحي سياسي واقتصادي وإداري واجتماعي.
دولة الرفاعي شخصية أردنية فريدة من نوعها ,حظيت بتفويض ملكي كبير لأنه على توافق مع الرؤى الملكية السامية, وهو على مسافة واحدة من الأردنيين كافة, وهو موضع ثقتهم وحسن ظنهم بشتى مشاربهم وأفكارهم وايدولوجياتهم وأقطابهم, فهو الوحيد القادر على وضع برنامج وطني إصلاحي سياسي للدولة الأردنية ناهيك عن القدرة والخبرة الكبيرة لدى أعضاء اللجنة الموقرة مما يوفر قبول هذا المشروع لدى شعبنا الأردني , ويحقق تنفيذ الأمر الملكي ومطلبه الرئيس, وهذا يرتبط ارتباطاً كبيراً بشخصية دولته وطريقة تفكيره وعقله الاستراتيجي وقدرته على الاستماع لوجهات النظر المتعددة وحماسه للعمل وتلبية مطالب الاصلاح سيؤهله الخروج ببرنامج إصلاحي سياسي وإداري يهدف من خلاله الارتقاء بالدولة وإدارة مؤسساتها, لاسيما المؤسسة التشريعية, وقضايا المرأة وقطاع الشباب والتعديلات الدستورية وقانوني الانتخاب والأحزاب, كي نرى الأردن يستطيع الدخول بسلام إلى أول عتبات المئوية الثانية ,فلا أرى أن شخصية أخرى تتوافر فيها صفات القدرة على تجديد تشريعات دولتنا غير دولة سمير الرفاعي .