المسيحيون وقانون الاحوال الشخصية (1-2)
30-05-2010 01:16 PM
أثارت مسودة قانون الاحوال الشخصية حوارا وطنيا مهما كشف عن تأييد واسع لبنوده مع وجود ملاحظات وانتقادات لمؤسسات المجتمع المدني تركزت على سن زواج المرأة وغياب الخلع وتعدد الزوجات والاموال المشتركة.
إن من اهم مبادىء التشريع الاخذ بمبادئ العدالة والشمولية, إلا ان مسودة القانون تجاهلت فئة من المواطنين الاردنيين هم ابناء الطوائف المسيحية, فالقانون الجديد لم يتطرق لوضعهم اطلاقا مكتفيا بالاشارة اليهم تحت بند"غير المسلمين", من دون ان يعالج قضاياهم كمواطنين اردنيين وهو لا يختلف بذلك عن المناهج المدرسية والجامعية الحالية التي تتجاهل وجود المسيحي العربي وتاريخه.
ان عموم المسيحيين العرب في الوطن العربي والمسيحيين الاردنيين يعتزون بانتمائهم القومي وحضارتهم العربية الاسلامية ولغتهم العربية, لغة القرآن الكريم, ولم ينسوا انهم كانوا في استقبال جيوش الفتح الاسلامي لبلاد الشام, بل ان منهم من ساعد جيوش المسلمين في معاركهم ضد الروم المسيحيين. وخير مثال على ذلك دور عشيرة العزيزات المسيحية في معركة مؤتة, وكذلك بطولة الملازم السوري المسيحي جول جمال الذي نفذ اول "عملية استشهادية" ضد مدمرة فرنسية ابان العدوان الثلاثي على مصر.
ولم يغب الدور الحضاري للمسيحيين العرب في دواوين الدولة الاسلامية الى ان عمدت العلاقة بالدم في خندق المواجهة والتصدي العربي الاسلامي والعربي المسيحي لاعداء العرب والمسلمين عندما غزوا البلاد العربية في ما سمي بحروب الفرنجة (الحروب الصليبية), حيث ان القتل والدمار الذي لحق بالمسيحيين العرب وكنائسهم الشرقية لا يقل هولا عما نال ابناء جلدتهم من المسلمين العرب.
لذلك فان الموقف الذي سنناقشه هنا لا يأتي من باب تسجيل المواقف او الشكوى او التذمر من "حقوق منقوصة" لا بل بقناعة تامة بان المسيحي الاردني مثل اخيه المسلم لا يمكن ان يضام في حمى الهاشميين وحمى دولة القانون والمؤسسات.
سأحاول شرح موقف الكنائس المسيحية الاردنية والمسيحيين الافراد بصفاتهم الاجتماعية وتوضيح نظرتهم و"عتبهم " لغياب قضاياهم الخاصة عن مسودة قانون الاحوال الشخصية.
واولى الملاحظات على مسودة القانون ما ورد في المادة 28 من تحريم (زواج المسلم بامرأة غير مسلمة او غير كتابية) وهو ما اكدته المادة 30 (يكون الزواج باطلا اذا تزوج المسلم بغير المسلمة او غير الكتابية ) وذلك خلافا للقانون الحالي الذي يجيز زواج المسلم من المسيحية مع احتفاظها بدينها. والمطلوب توضيح المقصود في المادة اعلاه لان هناك فرقا شاسعا بين غير المسلمة وغير الكتابية, والجمع بينهما هنا لغو, لان الاولى تنفي الثانية.
والملاحظة الثانية على ما ورد في المادة 282 (لا يرث المسلم غير المسلم) ومع احترامنا للنص الشرعي الا اننا نطالب بايجاد معادلة تنصف زوجة المسلم اذا كانت مسيحية كجزء من شراكتها المادية والروحية مع زوجها ولضمان حياة كريمة لها بعد وفاته. لان من غير العدل ان تخسر زوجها وحاميها والمكلف بالانفاق عليها وبعد ذلك تجد نفسها في الشارع بلا سند او معيل لتكتمل مآساتها بعد ان تكون قد خسرت اهلها الذين نبذوها لزواجها خلافا لإرادتهم.
وهنا يقع الاجحاف على مواطنة كفل الدستور حقوقها ويمتد الاذى الى حد حرمانها من حق الحضانة الكاملة لاولادها حيث تنص المادة 170 (يسقط حق الحضانة اذا تجاوز المحضون سن السابعة وكانت الحاضنة غير مسلمة ) وهو ما اكدته المادة 212 ( لا ولاية لغير المسلم على المسلم), فالنص القانوني هنا لم يفرق بين زوجة المسلم الكتابية من غيرها, فالزوجة الكتابية اولى بالرعاية والمواطنة اولى بالمساواة.
لم يعالج القانون طلاق زوجة المسلم إن بقيت على دينها المسيحي ولم يبين حقوقها المادية, حيث يحرمها القانون من الميراث ومن النفقة, فتجد نفسها في موقف لا تحسد عليه ولا تستطيع معه تأمين قوتها.
إن القواعد الشرعية محدودة ولا تشمل كل مناحي الحياة ولا تجيب على كل مشاكل الناس وهنا تكمن اهمية الاجتهاد بغياب النص كما قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه ( النص كلام صامت بحاجة الى من يستنطقه.. ).0
الحلقة الثانية غدا
nabil.ghishan@alarabalyawm.net