هنالك نظرية متطرفة عند المتشددين الغلاة، تفترض أن العالم «من غير المسلمين» كله عبارة عن كفار ينامون ويصحون على مشاعر الحقد على الإسلام، وهذا يشمل رجل الإسكيمو في القطب الشمالي، الذي لن يبتهج كثيراً بمفهوم «الحرارة» كأداة تعذيب، والماء البارد كوسيلة إغراء للإيمان.
لكن الصورة النمطية للكافر، هي دوماً، ذلك الذي يأكل بشراهة وينام ليحلم كيف يخطط للقضاء على المسلمين جميعاً.
وفي الدعاء الأسبوعي على المنابر كل يوم جمعة، على الأقل، هناك الأُمنية الموحدة والعميقة، التي تبتهل إلى الله بأن «ينصرنا على القوم الكافرين»، وهو ابتهال يضع العالم «الكافر بالإسلام» كله في قومية واحدة، قوم الكفار، وهو ما تؤكده القاعدة الرديفة أن «ملة الكفر ملة واحدة» بافتراض وهمي سريع بأن «ملة الإسلام ملة واحدة».
وفي تلك «الملة الواحدة» التي تغفل عن كل المذاهب والطوائف والرؤى الشرعية المختلفة والمتباينة، فإن من يخرج بخطاب منطقي واقعي يرفض تقسيم العالم بهذا الشكل، فهو من موالي الكفار، وهؤلاء لهم حكمهم الشرعي بالنبذ والإقصاء والإلغاء.
الأخطر في تلك المؤامرة «ضبابية الرؤية» بأن الالتباسات فيها تزداد تعقيداً حين تدمج رؤيتها الإسلامية بقوميتها العربية، فنصبح أمام حالة مضاعفة من الأوهام الغريبة والمولدة للنظريات الأكثر غرابة.
فمفهوم الأمة العربية نفسه مفهوم لا ينبغي أن يكون إقصائياً للمكونات الثقافية الموجودة في الجغرافيا المشرقية المعقدة والشاسعة، والتعصب للعروبة كقومية، يعني ببساطة إلغاء ثقافات متعددة مثل السريانية والكردية والآشورية والآرامية والأمازيغية والنوبية والقبطية، وغيرها من ثقافات وقوميات مسحها انفراد حرف أبجدي.
(حرف الضاد) في لغة انطلقت من كل تلك الثقافات أساساً كلهجة محلية لقبائل محددة في وسط الجزيرة العربية. قبل أيام، تلقيت اللقاح مؤمناً بالعلم، وكنت قبلها أقرأ شيئاً من فرضيات المؤامرة على المسلمين من خلال لقاح «كورونا» الذي يحمل مواد إضافية في الشحنة المصدرة إلى العالم العربي، فيستوقفني أحد التعليقات الذي استطاع أن يخرج بالموضوع إلى مؤامرة أكثر تشويقاً، يؤمن بها آلاف، على ما يبدو، في العالم العربي، حيث يزعم أحد المعلقين أن البابا فرنسيس أشرف بنفسه «وهو كيميائي أساساً» على تعبئة شحنات اللقاح للعالم الإسلامي بمواد تمنع الإنجاب.
هكذا «يؤمن» البعض، لكن الأكثر إثارة كان في تعليق آخر يرد على المعلق بطلب الرحمة للبابا السابق، يوحنا الثالث والعشرين، الذي مات عام 1963 بالسم على يد «الفاتيكان واليهود»، لأنه أعلن إسلامه بعد اكتشافه لوثائق سرية.
لترد التعليقات بعد ذلك مؤيدة لادعاء صاحب نظرية «إسلام البابا وقتله على يد الفاتيكان واليهود»، بل وقام أحدهم بدعم النظرية «علمياً» من خلال فيديو للشيخ اليمني، عبدالمجيد الزنداني، (مؤسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة) يثبت فيها نظرية اغتيال البابا يوحنا الثالث والعشرين لأنه أعلن إسلامه!! (الشيخ نفسه أعلن عن اكتشافه علاجاً للإيدز بالأعشاب).
أعتقد أنه آن الأوان لانتفاضة في الوعي المعرفي تبدأ بالصفوف الابتدائية الأولى ولا تنتهي بالجامعات والمعاهد، تعيد للعلوم والمعرفة الحقيقية مكانتها وتنهي سطوة الشعوذة والدجل باسم الأديان.
الاتحاد