تغذية راجعة حول مسودة إدماج التعليم الإلكتروني في التعليم العالي
د. منصور المطارنة
15-06-2021 10:35 PM
عطفا على سلسلة المقالات السابقة حول نظام إدماج التعليم الإلكتروني في مؤسسات التعليم العالي والمنشورة في جريدة الغد، حيث تمّ في عدة أجزاء استعراض وتلخيص أهم الملاحظات والسلبيات على النظام المقترح لإدماج التعليم الإلكتروني في مؤسسات التعليم العالي. أورد بعض المقترحات ونظرة شموليّة حول متطلبات تطبيق هذا النظام المقترح وكما ذكرنا سابقا بانّ التغيير الايجابي الذي تسعى له مؤسسات التعليم العالي مرهون بشكل كبير بواقع المتطلبات وتوافر القواعد الأساسيّة التي تضمن التنفيذ الناجح لأي تغيير.
فكان رأينا المفصّل بالأجزاء الأولى من هذا المقال بالتأني في التطبيق وألّا نحّدد بالبداية أيّة نسب للتعليم الإلكتروني، وأن يترك الخيار للأقسام والكليات حسب الإمكانات والقدرات. لذا يجب اعتماد ممارسات علمية لإدارة التغيير من أجل ضمان التنفيذ الناجح لأي تغيير يتم تبنيه، حيث الهدف الأساس هو التمكين من أجل تحقيق النتائج المرجوة والأهم هو بناء قناعات إيجابية باتجاه التغيير في منظومة التعليم كخيار مستقبلي يجب تبنيه لمواكبة التطورات المتسارعة بالتكنولوجيا وأساليب التعلّم. ولتفصيل أكثر لمسببات هذا الرأي حيث لا يمكن أن يكون هنالك تطوير حقيقي بدون تحقيق الأساسيات ومتطلبات التعليم الالكتروني والتي تتلخّص بالبنود التالية:
1. كمرحلة أولى يجب التأكد من البنى التحتية والجاهزية التقنية وتوفر المستلزمات في الجامعة لدى الطلبة وأعضاء هيئة التدريس. فيجب أن يتم تحديث البنية التحتية وتوفير أجهزة الحاسوب الحديثة لجميع أعضاء هيئة التدريس والطلبة على حد سواء وتوفر الكاميرات، وشراء أجهزة اللوح الإلكتروني لأعضاء هيئة التدريس. وأن يتم شراء سيرفرات وخوادم حديثة والاستثمار في خدمة السحابة الالكترونية. وأتمتة كل شيء يتعلق بإدارة العملية التعليمية والإداريّة للوصول الى جامعة رقميّة /ذكيّة (smart campus).
2. تطوير آلية التقييم الالكتروني و ضبط الامتحانات الإلكترونية عن بعد، وهي أهم النقاط الرئيسة وما اعتبره مقتل لعملية التعليم الالكتروني إذا لم يتم الاهتمام به بشكل كبير، والتقييم الالكتروني يأخذ ثلاثة جوانب مهمة جدا، أولها الاهتمام أوّلا بتطوير اساليب التقييم وتنوعها من خلال التركيز على الامتحانات والواجبات والنشاطات المختلفة التي تركّز على مستوى مهارات عقلية عليا ومنها التحليل والاستنباط والتفسير والبناء والتركيب، وهذا طبعا يحتاج الى تدريب موجّه وهادف الى أعضاء هيئة التدريس ضمن خطة التدريب التي سأتكلم عنها بنقطة منفصلة. أمّا الجانب الثاني فهو منظومة الأخلاق حيث نعوّل على طلبتنا الأعزاء بالالتزام بقواعد الأخلاق الحميدة وهذا البناء يبدأ من البيت مرورا بالمدرسة وحتى الجامعة. أمّا الجانب الثالث فيتعلق بتأثير مشكلة الغش المتفشي بين الطلبة بوسائله وأدواتها المختلفة وانتحال الشخصية، وهي مشكلة عالمية الجميع يواجهها، لكن المطلوب منا أن نعمل على التقليل منها من خلال شراء أو تصميم نظام مراقبة الامتحانات الإلكترونية، وهنالك شركات عالمية رائدة في ذلك، وتواصلت أنا شخصيا مع إحدى أكبر شركات العالم من باب الفضول لمعرفة التكلفة وآليات عملها، حيث توفر خدمات كبيرة من استضافة الاختبارات ونظام مراقبة بحيث لا يستطيع الطالب عند دخوله صفحة الاختبار الالكتروني ان ينتقل إلى أي صفحة أخرى مثلا للبحث عن إجابات أو تلقي أي رسائل أو معلومات تصله على الجهاز، وهناك نظام مراقبة من خلال الكاميرا والتي تتعرّف على الشخص من خلال الوجه والعين (Face and Eye Recognition) منعا من انتحال الشخصية وتقديم الاختبار من قبل أشخاص آخرين، ومراقبة المكان وحركة الممتحن حيث يتم تسجيل هذا الاختبار وإعطاء تقرير عن كل الحركات التي حصلت أثناء الاختبار، وطبعا هذه البرامج تعطي اصوات تحذير للمراقب عند وجود شخص حول الممتحن أو حركته ومغادرته الكرسي أو وقوفه وحتى التفاتته بالنظر خارج الشاشة. هذه البرامج تقلّل من نسبة الغش بشكل كبير والحل الجذري دائما هو أمانة ومصداقية متلقي الخدمة.
3. إنشاء مركز وطني تتبع له مراكز تقنيّة في كل الجامعات لتوفير نظام إدارة متكاملة للتعلّم الإلكتروني. فالأولى التأكد من وجود مركز معني بالتعليم الإلكتروني ومصادر التعليم في كل الجامعات وتفعيلهما، وتوفر الكادر المؤهل تقنيا ومعرفيا، وإنشاء مركز وطني لإدارة شؤون التعليم الالكتروني والذي أضيف إليه للأهميّة الحوسبة. وأنا هنا أوكّد بشكل كبير على تبني رؤية جلالة الملك بأن نسعى إلى أن يكون عندنا مركز عالمي لصناعة الحوسبة فائقة الأداء، وهو الذي بادر قبل 10 سنوات برؤية ثاقبة نحو المستقبل ومتطلباته بإنشاء كمبيوتر فائق السرعة والذي تمّ تسميته إيمان1، وهو رقم ثلاثة في منطقتنا ويحتوي على 18 الف CPU وبصورة تقريبية نتكلم عن 18 الف سيرفر، ولو تمّ استغلاله خلال الجائحة لما واجهنا أي مشاكل تقنيّة أبدا، حيث يتم تشغيل كل المنصات التعليمية الخاصة بالجامعات من خلال هذا المركز، والذي تحدثت عنه بوسائل الإعلام أكثر من مرّة ووجهت بعض المسؤولين للاستفادة منه لكن دون أي جدوى. لكن بالوقت الحالي للأسف لا يستفاد منه بأي شيء، ومغلق منذ عدة سنوات علما بأنه كلّف الملايين. لذا أطالب بأن يكون المسمّى هو المركز الوطني للتعليم الالكتروني والحوسبة، وأن يتم استقطاب أهل المعرفة والخبرة من التقنيين أو التعاقد معهم لعمل منصة افتراضية وطنية للتعليم الالكتروني لكل جامعات ومدارس الوطن، بلدنا زاخر بأصحاب الكفاءة القادرين على إنشاء وتصميم كل شيء يتعلق بأدوات ومستلزمات التعليم الالكتروني، والاستثمار بهذا المجال سيكون ناجحا بشكل كبير ويعكس صفة الريادة والتميّز لهذا البلد المعطاء. وهنا لابد من الإشارة إلى أننا يجب أن نتوقف عن شراء وأخذ الخدمات الالكترونية من طرف ثالث، حيث إن معلوماتنا أصبحت متاحة للآخرين وهذا غير مرغوب فيه أبدا، خصوصا مع توجه جامعاتنا الآن إلى خدمة السحابة الالكترونية من قبل شركات عالمية، وشراء خدمات الكترونية مختلفة، لذا عندما أطالب بمركز وطني للحوسبة مسؤول عن إنتاج وتقديم خدمة وبسواعد وطنية وبدون أي تبعية للآخر. وعلى هذا المركز وبالتنسيق مع المراكز بالجامعات أن يعمل على وجود إجراءات تنفيذية وأن يقوم بتطوير أدوات إلكترونية لضمان متابعة حسن التطبيق والتنفيذ في عملية سير التعلّم الالكتروني.
4. يجب الاهتمام بداية بتطوير أساليب واستراتيجيات التدريس الحديثة والتي تعتمد على التعليم الإلكتروني، لماذا تمّ الاهتمام فقط بالتعلّم المدمج وعدم التركيز على أساليب التعلّم الأخرى؟ كان لابدّ من بناء قناعات ايجابية اتجاه التغيير في أساليب التعلّم عن بعد وترسيخها وتجذيرها عند المدرسين. انا اعتقد أنّ أهم وسائل التعلّم الحديث هو التعلّم المبني على البحث أو المشاريع (Research-Based Method)، حيث نبني باحث عندما يقوم بإجراء بحث/مشروع عملي يكسبه/ها خبرات هائلة من خلال توظيف كل ما تعلموه بمراحل الدراسة، حيث يتم ربط الجانب النظري بالعملي. وهنالك أساليب أخرى مثل: التعلم المعكوس (Flipped-learning)، والتعلّم من خلال حل المشكلات (Problem-solving)، والتعلّم التشاركي (Collaborative learning)، والتعلّم المتصل (Connected learning).
5. البدء ببرامج تدريبية مكثفة وأن تشمل عددا أكبر من العدد الضئيل الذي تمّ البدء به مؤخرا (70 متدربا)، لماذا لم يكن هنالك لقاءات مباشرة لعدد أكبر وخصوصا أننا نتكلم عن تمكين ما يقارب 12 ألف عضو هيئة تدريسي، كما أننا ندعو إلى استخدام وسائل التكنولوجيا المتقدمة، فلماذا لا نوظف ذلك حيث نستطيع لقاء الآلاف!.
6. في دليل الخطة التنفيذية لموضوع الدمج، تمّ التوصية بأن يطلب من هيئة الاعتماد وضمان الجودة أن تستوعب نسب إدماج التعلم الالكتروني وأن تأخذ بعين الاعتبار الطاقة الاستيعابية بحيث تكون نسبة عضو هيئة تدريس مقابل الطالب أعلى من النسبة المقرّة للتخصصات الإنسانية وهي 1:30, وهذا تحد ومغالطة كبيرة ولها آثار سلبيّة على تحقيق مخرجات التعليم ويؤثر على متطلبات التصنيفات العالميّة، حيث كل الجامعات تسعى إلى التنافسيّة العالمية. هذا تجاوز لأهم عنصر بالجودة والمنافسة الدولية. وفي هذا السياق، لقد رأيت قبل مدة قصيرة مذكّرة موقّعة من قبل مجموعة من السادة النواب الأكارم تطالب فيها عدم تعيين الأجانب في الجامعات الأردنية، طبعا أتفهّم هذا المطلب وحرصهم على أن تكون الأولوية بالتعيين للأردنيين، لكن هذا المطلب ينم عن عدم معرفة حيث يعتبر تضارب وتناقض كبير مع متطلب التصنيفات العالمية، حيث النسبة الحاليّة لا تتجاوز 2% والتي لا تلبي متطلبات التنافسيّة العالميّة.
7. العمل على تصميم وإنتاج مواد تعليمية الكترونية وفيديوهات إرشادية وتعليمية، بمعنى أن ننشئ مكتبة الكترونية غنيّة بالمحتوى وقابلة والإضافة المستمرة. كما يجب أن لا ننسى الطلبة المستجدين حيث يجب أن يكون هنالك مواد تعليمية مختصرة موجّهة لهؤلاء الطلبة الذين سيقبلون حديثا في بداية العام الدراسي حيث يأتون من المدارس ولا يوجد عندهم أدنى فكرة عن كيفية وآلية التعليم الالكتروني، حيث لم يسمعوا سابقا بالمودل وبعض وسائل التواصل الالكتروني وتقنيات الكترونية مختلفة ترافق التعلّم عن بعد، وخصوصا وأنّ غالبية موادهم بالفصل الأول ستكون تعلّم عن بعد على الأرجح، وهذا لا ينطبق على جميع القادمين من المدارس، ولكن مراعاة للعدالة بين الطلبة. وهذا دور مراكز التعليم الالكتروني بالجامعات بتنظيم لقاءات مباشرة للمقبولين حديثا من خلال الفيسبوك وقناة اليوتيوب أو استخدام الويبنارزWebinars لتغطية المواضيع التي تهمهم في البداية للتعرّف على كيفية استخدام المنصات ووسائل الاتصال مع المدرسين وتصفح مواقع محتوى المواد الدراسيّة.
8. تطوير آليات عمل المختبرات الافتراضية، وهذا يحتاج إلى مراجعة شاملة لتجربة عرض المختبرات العملية خلال الجائحة التي شابها الكثير من الخلل، حيث نحتاج أولا إلى وضع تعليمات ناظمة لعملية التدريس والشرح وآلية التقييم، والتأكيد على تصوير هذه التجارب العملية في مختبراتنا، وأن يتم تزويد الطلبة بفيديوهات أخرى تدعم عملية التعلّم، والاهتمام بكل ما يتعلق بتحقيق أفضل الطرق لعرض المواد العمليّة بشكل عام فيما لو تمّ اعتمادها تعلّم عن بعد.
9. البحث عن شراكات مع مؤسسات تعليمية إقليمية أو دولية تسهم في تطوير وتقديم خدمات تعلّم إلكتروني، حيث نحتاج إلى مزوّد خدمات الكترونية (open resources/min fees) يحتوي على مراجع لغالبية المواد التدريسيّة، حيث بإمكان الجامعة الشراكة مع بعض المؤسسات العالميّة، والتي تواصلت أنا شخصيا مع أحداها والتي رسومها تعادل 17$ لكل فصل دراسي أو الأفضل خيار دفع 75$ لكل طالب لمدة اربع سنوات فترة الدراسة، والتي ممكن أن يتم اقتطاعها من الطلبة عند القبول، وبالمقابل يسمح للطلبة من استخدام الكتب الدراسية الالكترونية وجميع المصادر التعليمية التي تتوافر لذلك الكتاب ومنها بنك للأسئلة، وبذا لن يتحمل الطالب تكلفة كبيرة من شراء الكتب الدراسية في كل فصل.
10. يجب العمل على تطوير أساليب واستراتيجيات التعلّم الحديثة وتطوير البيداغوجيا لمواد التعليم الالكتروني، والتركيز على مخرجات تعلّم تقوم على بناء مهارات وقدرات واتجاهات. للأسف لم يتم التطرق في المحور البيداغوجي لعمل وتطوير أدوات تقنية تحقّق أهداف تصنيف بلومز الرقمي، وأدوات هذا التعلم تعتمد بشكل كبير على التقنيات الإلكترونية. لذا يجب البدء بالتفكير بكيفية توظيف هذا التصنيف وتصميم خطط ومخرجات تقيس تحقّق الأهداف الرقمية المبتكرة لكل مساق تعلّم الكتروني.
11. يجب على الجامعات التفكير بشكل جدي لتصميم مساق كمتطلب جامعة إجباري يسمّى مثلا مدخل الى التعليم الالكتروني، لتمكين الطلبة وإثراء المعرفة لديهم وان يتعلّموا كل ما يتعلّق بالتعليم الالكتروني، من متطلبات، وتقنيات، وبيداغوجيا، وأدوات.
12. على الجامعات التفكير بإنشاء قنوات خاصة تعليمية من خلال قناة اليوتيوب، بحيث يكون هنالك مردود مادي واستثمار حقيقي عند تحميل المحاضرات والفيديوهات المختلفة بقناة واحدة تسمح بوجود الإعلانات. وهذا أيضا ينطبق على إنشاء قواعد بيانات لمنشورات أعضاء هيئة التدريس والتي ممكن ان تتحوّل إلى موقع سيدر مردودا ماديا كبيرا، بالإضافة إلى أنّ ذلك سيسهم بزيادة عدد الاستشهادات بالأبحاث وبالتالي موقع متقدم في التصنيفات العالميّة.
13. العمل على توفير شبكة واي فاي WiFi سريعة في كامل الحرم الجامعي حتى يتسنى للجميع استخدامها بسهولة، مع الاهتمام بشكل كبير بموضوع حماية أمن المعلومات وتخزينها.
حفظ الله الوطن الأغلى وقائد مسيرة النهضة والتقدم