بكلمات منتقاة بعناية فائقة، كلف جلالة الملك لجنة من اثنين وتسعين عضوا برئاسة دولة سمير الرفاعي، ان تقوم بتحديث منظومة العمل السياسي وبالتحديد قوانين الانتخاب والاحزاب والادارة المحلية، وان توصي بالتعديلات الدستورية الضرورية التي تتطلبها التعديلات على القوانين، وايضا ما يمكن ان يعزز من دور مجلس الامة الرقابي والتشريعي كعنوان اساسي للتقدم الديمقراطي.
حجم اللجنة يدلل بوضوح على أن الشمولية والتمثيل الواسع لأطياف المجتمع الأردني كانا هدفا اساسيا يراد تحقيقه، وهذا ما حدث، فبحسب التقييمات الاعلامية الموضوعية تكونت اللجنة من 20 % من النساء، 40 % من الشباب، 25 % من النشطاء ومثلهم برلمانيون سابقون، 15 % من الحزبيين، 9 % من نقابيين وإعلاميين، 19 % من الأكاديميين.
هذا تنوع كبير ومحترم وممثل، ولكن الأهم هو التنوع السياسي للجنة التي ضمت محافظين ووسطيين، وإسلاميين، ويساريين، والتيار المدني الليبرالي. اللجنة، وبصرف النظر عن اسماء اعضائها، تعكس بدقة تنوع المجتمع الاردني بأطيافه السياسية والاجتماعية والمهنية المختلفة.
المهمة كبيرة وكبيرة جدا، مطلوب انجازها ضمن فترة زمنية قصيرة ضاغطة محددة ببدء الدورة العادية القادمة لمجلس الامة، لكن ضمانة جلالة الملك امام الأردنيين والأردنيات لتنفيذ مخرجات اللجنة دون تدخل او ابطاء يعطي اعضاء اللجنة ورئيسها العزيمة ليكونوا عند مستوى توقعات الأردنيين وطموح جلالته.
الملك يضع مصداقية الدولة الأردنية لإسناد مخرجات لجنة التحديث، وهذا يرتب عبئا تاريخيا عظيما وجللا على كل عضو من اعضاء اللجنة ان يعملوا بروحية صناعة التاريخ وبناء الاردن، ليدخل مئويته الثانية بلدا قويا منيعا، حداثي الاصلاح والتطوير قيمة وطنية مستمرة واساسية لشعبه ومؤسساته.
الملك اراد الاردن ان يدخل مئويته الثانية بعزيمة الآباء والاجداد البناة الاوائل، فكما هم بنوه، نحن جيل الأردن الحالي نحدث البناء ونراكم عليه، نرتقي به لمستوى الطموح الوطني المشروع، وندخل للمئوية الثانية بروحية العمل بورشة عمل تحديثية تبني على التاريخ المليء بقصص النجاح والتحدي.
من حق المجتمع الأردني ان يتوقع من اعضاء اللجنة الاشتباك بعقلية التشاركية وتعزيز التعددية، وعلى قاعدة قبول الآخر ولونه السياسي، وألا يكون هناك اي تمترس او انحياز لمنظومة او فكرة دون ان يكون لها قبول من غالبية اعضاء اللجنة، فالحوار والبناء لا يقومان الا اذا التقينا على نقطة وسط نسهم جميعا بالوصول اليها.
من اسرار قوة هذا البلد انه دائما كان يتسع لكافة الآراء والتيارات، وكانت سياساته دوما اما حالة وسطية بين الافكار المتباينة، او متأثرة بذلك التباين والتنوع، وعلينا ونحن ندخل المئوية الثانية ان نمأسس لأسلوب صناعة قرار وتداول للسياسات العامة، يحمي تعدديتنا ويقويها، فذلك خير لنا جميعا وأكرم للأردن وتاريخه، وما دمنا نتفق على الثوابت، فما دون ذلك خاضع للاجتهاد ما بقي ذلك الاجتهاد موضوعيا وبناء، ويصب في هدف رفعة الدولة وتقويتها وتحديثها.
(الغد)