كان المجتمع العربي قبل الاسلام مجتمعاً قبلياً، وكان هناك شيخ للعشيرة، أو للقبيلة، كان يتم انتخابه من مجلس الاربعين.
وأحياناً كانت الشيخة تتوارث بمواصفات خاصة معروفة لدى العشائر، وكان الفخر بالقبيلة امراً اعتيادياً، والشيخ له من الغنائم حصة.
«لك المرباع منها والصفايا
وحلفك والنشيطة والفضول»
كان هناك مجلس لا يحضره من كان عمره أقل من اربعين عاماً.
لهم قضاؤهم المتعارف عليه، ولكل نوع من القضايا قاضٍ مشهور.
كان الفخر بالقبيلة أمراً اعتيادياً وربما يتوفر لكل قبيلة شاعر يذود عنها، ويهجو القبيلة الأخرى يقول أحدهم:
«فغض الطرف انك من غير
فلا كعباً بلغت و لا كلاباً»
ويقول آخر:
«وما أنا إلا من غزية إن
غوتْ غويت وإن ترشد غزية ارشد»
ويقول آخر:
«إذا بلغ الفطام لنا رضيع تخر له الجبابر ساجدينا»
وإذا أسلم الشيخ أسلمت القبيلة، وإن حارب حاربت، جاء الإسلام والحروب مشتعلة بين القبائل وهو منهج جديد يريد أن يكون أمة، ولكن التدرج كان سمة هذا الدين، بدأ بقوله تعالى (وانذر عشيرتك الاقربين) ثم (لتنذر أم القرى وما حولها) ثم (وإنه لذكر لك ولقومك) ثم (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين).
خرج العرب للفتوح وكانوا يقاتلون تحت راية قبائلهم في منهج جديد في المدينة وضع دستور المدينة ليؤكد صفة المواطنة بغض النظر عن الدين والعشيرة، وكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وإنهاء الحرب بين الأوس والخزرج ونزل قوله تعالى (والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم) وركز على أواصر العقيدة (إنما المؤمنون إخوة) مع الحفاظ على المواطنة الكاملة لغير المسلمين، ثم اكد على (وإن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون).
تفرق العرب في الأمصار بعشائرهم وقبائلهم، وكان لهم أخوة دم في عشائر كانت تسكن في الأردن والعراق والشام من لخم وجذام وتغلب، بعضهم اسلم وبعضهم بقى على دينه، وكان من عناوين هذه القبائل القيسية واليمنية، وكان الصراع بينها ثغرة في تاريخ الإسلام عامة وفي الأندلس بخاصة حتى كانوا سبباً من أسباب سقوط الأندلس بصراعهم، يقول ابن خلدون إن من أسباب استمرار الملك ونشوئه وجود عصبية تحميه وكانت العصبية اي العشيرة متوافرة في البيت السفياني والمرواني والعباسي ثم بقية البيوت للدول والدويلات الأخرى، واستطرد أن عصبية الملك تط?رت في الأحزاب والنقابات والتنظيمات التي يقوم عليها معظم الديمقراطيات في العالم و التي تحل محل العشائر والقبائل.
في الأردن وفي فترة نشوء الإمارة كانت هناك عشائر مختلفة في الأردن ولا شك انه كان بينها صراعات معروفة لان تاريخها قريب المروي منه والمكتوب، وبقيت هذه العشائر تمارس دورها السياسي والاجتماعي، وكلما قويت التعددية السياسية والديمقراطية المبنية على الأحزاب؛ قل تأثير العشيرة، فالحزب يمثل شريحة وطنية تنصهر وتندمج على أساس فكرة وبرنامج ومن ثم أداء سياسي يتمثل في المشاركة النيابية.
لنكن صرحاء لقد قوت القوانين الخاصة بالانتخاب دور العشيرة، حتى أن صناديق العشيرة لاختيار مرشحها تسبق صناديق الانتخابات، وأنصار المرشح في الغالب هم من العشيرة، أو من اصحاب المصالح معه، كما قوت المحاصصة الوزارية هذا الدور وكذلك اختيار أعضاء مجالس الأعيان والمناصب القيادية، انظر إلى التهاني في وسائل التواصل الاجتماعي أنها تنصب على أبناء العشيرة.
لكي يتقلص دور العشيرة وتترسخ مدنية الدولة لابد من تغيير كامل في المضامين السياسية والانتخابية والاجتماعية، العشيرة صمام أمان في مجتمع يختلف أفراده، فيجدون في العشيرة مرجعاًُ للحل، وما زال التاريخ الأردني حافلاً بلقب شيخ، بغض النظر عن تغير المحتوى، فلنرشد عمل العشيرة ولا نشيطنها لأنها تبقى صمام أمان لهذا البلد وبخاصة عندما تقدم الخيرة من أبنائها للعمل العام.
(الرأي)