تتجه انظار العالم تدريجيا حاليا صوب (جنيف) جنوب غرب سويسرا عاصمة السياسة و المقر الدائم للمنظمات الدولية مثل (الأمم المتحدة، الصحة العالمية، التجارة العالمية، الصليب الأحمر، الملكية الفكرية، العمل الدولية، وحقوق الأنسان) لمتابعة اللقاء الهام بين رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين الذي تقود بلاده عالم الأقطاب المتعددة، وبين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن الذي تقود بلاده عالم القطب الواحد وسط حرب باردة ترفضها روسيا، وتصر أمريكا على مواصلتها، ولها علاقة مباشرة بالفوبيا الروسية التي انطلقت ليس مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 فقط، وإنما منذ القرنين الخامس و السادس عشر كما يؤكد ذلك النائب الروسي البروفيسور فيجيسلاف نيكانوف رئيس صندوق " روسكي مير " في موسكو.
ورغم أنه ليس اللقاء الأول للرئيس بوتين مع قادة أمريكا، حيث التقى سابقا في قمة )هلسينكي( عام 2019 بالرئيس دونالد ترمب، وقبلها بالرئيس باراك أوباما عامي 2013 2015، و قبل ذلك عام 2000 بالرئيس بيل كلينتون، وفي عمق التاريخ الروسي و السوفيتي لقاءات مشتركة عديدة، وتم تدشين العلاقات بين القطبين العظيمين منذ عام 1809 .
وأهمية اللقاء الرئاسي الروسي الأمريكي القادم تنحصر في القضايا العالقة و في مقدمتها ضبط الخلافات القائمة على خلفية إتهام واشنطن لموسكو بالعبث الكترونيا بالانتخابات الرئاسية عامي 2016 و 2020، وهو الأمر الذي دحضته روسيا، و أرسل الرئيس بوتين على غراره رسالة لأمريكا عبر وزير خارجيته سيرجي لافروف هذا العام 2021 تشبه (الكتاب الأبيض) الذي يوضح نوايا موسكو الطيبة و الواضحة تجاه التعامل مع كافة الأزمات المحتملة مع أمريكا، ونصت الرسالة على ضرورة الاحتكام تحت مظلة الأمم المتحدة، وللحوار، والإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة، وعدم زج الفضاء والبحرية في الصراع الالكتروني، وإعطاء ضمانات لعدم التدخل في الشأن الداخلي لأي بلد منهما وعلى خارطة العالم، والذهاب لزرع الثقة، وترك المجال للخبراء، والمحافظة على أمن العالم .
ورسالة بوتين أعلاه لم تأت من فراغ، وإنما جاءت بعد التحرش الأمريكي بروسيا في أكثر من ملف مثل قضية المعارض الروسي المحسوب على الغرب " اليكسي نافالني " أيضا، و التي دفعت بجو بايدن لوصف بوتين ب "Killer أي القاتل ؟! “ أثناء مقابلة له مع شبكة الإذاعة و التلفزيون الأمريكية ABC news، واعتبرته روسيا و إعلامها زلة لسان مقصودة، وقابله بوتين بالتمني لبايدن بالصحة، ووصفه بالخبير السياسي، وهي بادرة حسنة. وشروع حلف الناتو العسكري الغربي بقيادة أمريكا بالتوسع باتجاه الحدود الروسية، وعبر إغراء أوكرانيا بدخول حلف ) الناتو( رغم عدم قدرتها على ذلك عسكريا، وتشجيع أوكرانيا على المطالبة بإقليم ( القرم ) لأسباب ذات علاقة بالحرب الباردة، و هو الذي عاد إلى عرين وطنه روسيا بعد اغتراب دام 60 عاما في العهدة الأوكرانية. ولا زالت أوكرانيا من وسط بحثها عن سيادتها تعتبره احتلالا. و لنشر أمريكا قاعدة عسكرية لها في الجناح الغربي الأوكراني بدلا من ترك المجال لأوكرانيا (كييف) لكي تحاور شرقها الدونباسي واللوغانسكي، واختلاف في المواقف بين روسيا وأمريكا حول مستقبل القضية الفلسطينية العادلة، الواجب أن تدفع باتجاه بناء دولة فلسطين كاملة السيادة و عاصمتها القدس الشرقية، و تجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية، والقبول بحق العودة و التعويض. و هو ما تسانده روسيا بوضوح، و تعارض معه صفقة القرن الإسرائيلية – الأمريكية - الصهيونية، و أسرلة الجولان ( الهضبة العربية السورية ) من قبل إسرائيل و أمريكا و بشكل مشترك.
والملفت للانتباه هنا هو محاولة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل لقاء بوتين – بايدن المنتظر بشأن خط الغاز الروسي ( شمال 2 )، الذي يسميه الغرب " نورد ستريم 2 " عبر أوروبا، وهو الذي تعتبره أوكرانيا تهديدا لأمنها الاقتصادي بعدما استفادت سابقا من مرور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر اراضيها و تقاضي رسوما جمركية عليه، والتزود به بأسعار تفضيلية بسعر 50 دولار لكل الف متر مكعب بالمقارنة بسعره العالمي الذي و صل إلى 230 دولار. وشركة غاز بروم الروسية حسب أوكرانيا مطالبة بدفع 2,9 مليار دولار (؟!) لأوكرانيا لإغلاق ملف الخلافات بين البلدين الجارين روسيا و أوكرانيا . ولا زال حجم التبادل التجاري بين روسيا و أمريكا دون المستوى المتوقع (27,0 مليار دولار عام 2019 و بزيادة محدودة قدرها 14% أي بمعدل 13,8 مليار دولار، ولا يرتقي لمستوى تبادلهما التجاري مع الصين مثلا مع أمريكا حوالي 300 مليار دولار، ومع روسيا حوالي 27 مليار دولار)، وهي عملية ذات علاقة بالحرب الباردة و الفوبيا الروسية مباشرة من الطرف الأمريكي في زمن تؤكد فيه روسيا رفضها الدائم للحرب الباردة برمتها، وتدعو للتعاون مع أمريكا و كافة دول العالم من داخل سياسة عالم متعدد الأقطاب، وعلى قاعدة الاحترام المتبادل. ولقد المح الرئيس بوتين في قمة مدينة (سانت بيتر بورغ) الاقتصادية المنعقدة قبل أيام من هذا العام لشعور حلف الناتو بوجود خطر عليه، و لتوقع مصير للولايات المتحدة الأمريكية على غرار انهيار الاتحاد السوفيتي، فهل توازن أمريكا جلستها أمام روسيا و تعترف بعظمتها النووية والقانونية مثلما تعترف روسيا بعظمة أمريكا النووية ذات الوقت؟ لا توجد قوة في العالم تستطيع مواجهة قوة نار أمريكا غير روسيا، ولا مكان بعد اليوم للقفز فوق القانون الدولي، وفي نهاية المطاف العالم بيتنا جميعا ولا مخرج من غير تبديل السلاح بالسلام، والذهاب إلى التنمية الشاملة لما فيه كل الخير للبشرية جمعاء، و امن العالم شعار الزمن، وهو دائم . ولقاء وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف مؤخرا وباللغة الروسية العريقة من طرفه ومن زاوية الاعتداد بمكانة الدولة الروسية مع نظيره الأمريكي انتوني بلينكن و باللغة الانجليزية المطورة و الحديثة (اللهجة و اللكنة الأمريكية) لغة أمريكا بتاريخ 21 أيار المنصرم في (ريكافيك) عاصمة ايسلندا حول الملفات العالقة (جائحة كورونا، النووي الإيراني، كويا الشمالية، وافغانستان)، و الذي هو الأول و من شأنه ترطيب أجواء لقاء بوتين - بايدن الأول أيضا المقبل في (جنيف)، و ثمة فرق بين التصريح السياسي للإعلام، و بين الحديث الرئاسي رفيع المستوى بين زعيمي القوتين العظميين النوويتين رقم 1 على خارطة العالم ووجها لوجه (face to face ) .