إصلاح سياسي وحكومات برلمانية (الجزء الأول)
د. مهند صالح الطراونة
12-06-2021 01:19 AM
تعتبر الحكومات البرلمانية اهم ركائز الديمقراطية البرلمانية وهي باختصار تتجلى من خلال وجود حكومات برلمانية تشكل من قبل حزب حاكم شكل أغلبية برلمانية داخل البرلمان وحزب معارض (حكومة ظل ) يمكن أن يؤول الحكم إليها اذا اقنعت الشارع في برنامجها في المستقبل ،وقبل الحديث عن هذه التفاصيل وماهو نطاق تطبيق هذه الحكومات في النظام الأردني ومدى تطبيقها في ظل وجود التشريعات الناظمة للحياة السياسية كقوانين الإنتخاب والاحزاب وقطعا ولا يمكن الحديث عن هذه المحاور إلا أن تكون مرجعيتنا الأوراق الملكية وبالذات تلك التي تحدثت عن تكوين الحكومات البرلمانية في الاردن، وقفات سوف اتناولها على شكل أجزاء.
ان من حسن الطالع الإشارة إلى فلسفة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في النظام الأردني والتي تقوم على اساس التوازن والتعاون ولعل من أبرز مظاهر هذه العلاقة امتلاك السلطة التشريعية التدخل في أعمال السلطة التنفيذية والتعرف على طريقة سيرها بما لها من حق فيىالمراقبة ومساءلة الوزارة، فعن طريق السؤال والاستجواب والاقتراع بالثقة على مركز الوزارة يستطيع البرلمان أن يقف على كل مجريات الأمور في الدولة ويراقب تصرفات الوزارة، وله أيضاً حق إسقاطها عن طريق سحب الثقة عنها إذا أخلت بواجباتها.
هذا ويعتبر مبدأ مسؤولية الوزارة امام مجلس النواب حجر الزاوية في نظام الحكم النيابي البرلماني، حيث نصَّت المادة (51) من الدستور على (أن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة ، كما أن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته)، ذلك على اعتبار ان مجلس النواب هو المجلس الذي يمثل الشعب.
ومن المفيد أيضا الاشارة إلى وجه التباين بين مصطلح استقالـة الوزارة وبين إقالتها ،فالاستقالة حق من حقوق رئيس الوزراء، حيث يحق له أن يستقيل كلما تعذر عليه القيام بمهمته، لأي سبب من الأسباب، وفي حال استقالة رئيس الوزراء يعتبر جميع الوزراء مستقيلين أيضاً بحكم الدستور، وأما الاستقالة هنا تكون إجبارية، إلا في حالة ما إذا حجب مجلس النواب ثقته عن الوزارة، أما الإقالة فهي من صلاحيات الملك المطلقة ولا توجد تقاليد وأعراف دستورية في الأردن، تقضي في عدم إقالة الوزارة ما دامت تتمتع بثقة مجلس النواب.
التوازن الديمقراطي
وبناء على ما تقدم إن من حسن الطالع إسقاط النظريات السابقة هذه و التي نص عليها الدستور الأردني على واقع حال الديمقراطية وما آل إليه حالها في النظام الأردني وهذا الأمر يسوقنا للحديث عن الصلاحيات الدستورية لسلطات الدولة الثلاث وبيان تخومها تعتمد وبشكل أساسي على مبدأ الفصل بين السلطات ،القائم على توزيع السلطات في الدولة وعدم تركيزها في يد سلطة واحدة ،لأن تركيز السلطة بيد هيئة واحدة قد يؤدي على الأغلب إلى الاستبداد والتعسف، وبالتالي إلى إهدار التوازن الديمقراطي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أو إلى إهدار حقوق وحريات الأفراد، لذلك ان الأساس السليم لمبدأ فصل السلطات هو توزيع وظائف الدولة المتعددة على سلطات متعددة تستقل كل منها بوظيفتها عن الأخرى . ومن المعلوم أن مبدأ الفصل بين السلطات يرتبط ارتبطاً وثيقاً بالديمقراطية، حيث يحتل هذا المبدأ أهمية فائقة ومصانة من خلاله تأكيده على ترسيخ الممارسة الحقيقية للديمقراطية داخل الدولة، وقد بين الفقه الدستوري مفهوم الديمقراطية عندما نعتها بأنها حكم الأغلبية مع احترام حقوق الأقلية وبأنها الغاية والطريق الأمثل لصون الحقوق والحريات العامة ،كما وأن هذا المفهوم ذكر في كتابات كل من لوك ومونتسكو الذين اعتبرا أن الديمقراطية بمفهومها سالف الذكر تقاس وترتبط بمدى التزام كل سلطة من سلطات الدولة باختصاصاتها المحددة لها.
ولعل من أهم المسائل التي يجب بحثها في هذا الإطار هي مسألة الاختلال الوظيفي بالصلاحيات بين السلطات التي مارستها الحكومات على مدار السنين ، الأمر الذي أدى إلى رجحان كفة السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية ،وباعتقادي أن هذا الأمر لم يكن ناتجاً عن رغبة السلطة التنفيذية بالاستحواذ على الأنشطة في الدولة والصلاحيات في النظام ، أو أن تكون هي السلطة العليا وإنما كان سببه العام الظرف العام ، حيث تعقدت أساليب الحياة واتسمت بطابع فني وتكنولوجي متطور وزادت من وظائف الدولة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وظهرت العديد من القضايا والملفات التي لم تكن في السابق ، الأمر الذي برر ضرورة وجود العديد من التشريعات المتطورة والسريعة من أجل مواجهة متطلبات الزيادة في مختلف وظائف الدولة وحيث أن البرلمانات في الفترة الأخيرة لم تكن بمستوى الطموح وهذا ما اثبته الواقع ودليل ذلك حلها من قبل السلطة التنفيذية والتي وجدت بنفسها البديل عن السلطة التشريعية، واصدرت العديد من القوانين المؤقتة في موضوعات مازلنا نعاني منها إلى هذا الوقت ، ولعل من أبرز الوسائل الدستورية في إطار العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية هو حق المسؤولية السياسية الموجه للوزارة من قبل البرلمان، وكذلك حل البرلمان الموجه من قبل السلطة التنفيذية.
إلا أن التباين أضحى واضحاً بين ما هو منصوص عليه من الناحية النظرية وبين ما هو مطبق من الناحية العملية بشأن هذه الوسائل ، حيث تبين عدم فعالية تلك الوسائل في ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ،فمن خلال استقراء مسيرة الحكومات الأردنية نجد أن معظم الحكومات الأردنية لم تتعرض لخطر المسؤولية السياسية الموجهة من قبل البرلمان إلا ما ندر، حيث حازت معظم هذه الحكومات على ثقة البرلمان، باستثناء حالة واحدة سجلها التاريخ السياسي الأردني لم تحصل فيها الوزارة المشكلة على ثقة البرلمان وهي حكومة السيد سمير الرفاعي، وبرأي أن سبب ذلك ليس الانسجام التام في العلاقة بين السلطتين التنفيذية التشريعية في النظام الأردني، بل هو الاختلال في هذه العلاقة حيث هيمنت السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية.
ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو عدم وجود أحزاب حاكمة ذات برامج سياسية بحيث يكون لهذه الأحزاب دور في تفعيل الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية. ولعل قانون الانتخاب وما لحقه من قانون الأحزاب كان أهم الأسباب التي أضعفت وجود العمل الحزبي داخل البرلمان الأردني إضافة إلى عدم وجود ثقافة مجتمعية تبين ماهية الأحزاب ودورها الحقيقي في بناء الدولة الدولة وإصلاحها ، وقد أكدت التوجيهات الملكية هذا الأمر في اكثر من موضع بين جلالة الملك من خلال ما قدمه من اوراق نقاشية أهمية دور الأحزاب في الدولة والتي يجب أن تكون نواتها الكتل البرلمانية .
كتل برلمانية ضعيفة
وفي التطبيق نجد أن الكتل البرلمانية ليست إلا كتل هلامية لغايات انتخاب الرئيس في المجلس وينتهي دورها لا يجمع أعضاء هذه الكتل فكر وبرنامج واحد ،ومازالت النخب السياسية والقانونية تنتظر من هذه الكتل الإسراع بدفع عجلة الحياة الحزبية داخل البرلمان وأن تعمل هذه الكتل على شكل أحزاب تقدم برامج ، لنخرج من حالة الضعف التي تعتري العمل البرلماني والتي أظهرت على السطح برلمانات هشة وضعيفة يقابلها حكومات معظمها تكنوقراط سيطرت على مجرى العملية التشريعية في الدولة.
وعلى صعيد آخر أثبت الواقع العملي الزيادة المضطردة لنسبة المقترحات التشريعية المقدمة من السلطة التنفيذية إذا ما قورنت بالمقترحات التشريعية المقدمة من السلطة التشريعية ، الأمر الذي أثر على علاقة السلطتين ، ومرد ذلك أن السلطة التنفيذية تمتلك من المقومات ومن الأجهزة الإدارية والفنية ما تمكنها من صياغة مشاريع القوانين بشكل أسرع، والأمر الثاني إن وجود بعض أعضاء من مجلس كان له تأثير غير مباشر على العملية التشريعية سيما وأن العديد من أعضائه هم أصلا من رجالات السلطة التنفيذية، وقد يتبنون وجهة النظر الحكومية داخل المجلس ومن المحتمل أن يكونوا ذراع السلطة التنفيذية التشريعي داخل البرلمان إلا أنه ومن باب الانصاف لايمكن لنا إنكار الدور الذي يقوم به مجلس الأعيان في رد العديد من مشاريع القوانين غير المرغوب بها شعبياً وإصراره على ردها أحياننا وارى في بعض الأعضاء الذين تم تعيينهم أخيرا إرجاع للدور الحقيقي للمجلس ومع ذلك أرى أننا بحاجة إلى تطوير الأجهزة الفنية والإدارية لدى السلطة التشريعية برمتها من أجل النهوض بالعمل التشريعي بشكل أفضل وإرجاع هذا الاختصاص للسلطة الأصل .
ومحصلة القول
إن الحديث عن تحقيق مناخ ديمقراطي ودستوري سليم يعيد الإعتبار إلى السلطة التشريعية ويمكنها من أخذ دورها كمؤسسة دستورية ذات كيان، بحيث تعتبر المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تمثل الصالح العام للشعب يحتاج منا نحن كأفراد تكثيف الجهود نحو نشر ثقافة الأحزاب السياسية ودورها في بناء الدولة ،وفي المقابل يقع على عاتق السلطة التشريعية دور كبير في تعزيز هذا الدور من خلال السعي نحو تكريس عمل اللجان وجعلها نواة لأحزاب سياسية تقدم برامج إصلاحية وصولاً لحكومات برلمانية تتحقق من منظومة التوازن والتعاون بين السلطات في الدولة، وهذا ما اكد عليه سيدي صاحب الجلالة في أوراقه النقاشية وفي كافة المحافل حيث يؤكد جلالته دوما على أهمية تعميق النهج الديمقراطي واقتبس هنا حديث مميز ومباشر لسيدي صاحب الحلالة في خطابه لمجلس النواب السابع عشر
(ان الأردن لم يسمح ولن يسمح أن تكون الصعوبات والاضطرابات الإقليمية حجة أو ذريعة للتردد في مواصلة مسيرته الإصلاحية الشاملة. فنحن لا نرى الإصلاح ردة فعل لواقع صعب، بل هو خيار وطني نابع من الداخل، يعزز الوحدة الوطنية والتعددية والاعتدال، ويوسّع المشاركة، ويعمّق الديموقراطية، ويرسّخ نهـج الحكومات البرلمانية، فعلى صعيد تفعيل مشاركة المواطن في عملية صنع القرار، قمنا بتدشين تجربتنا في الحكومات البرلمانية، من خلال تبني نهج التشاور مع كتل وأعضاء مجلس النواب للتوافق على اختيار رئيس الوزراء)
وعليه كلنا أمل نحن أبناء الأردن بالسلطتين التنفيذية والتشريعية ترجمة رؤية جلالة الملك في مئوية هذا الحمى العربي الهاشمي الثانية أن يكون الإصلاح السياسي الحقيقي هو العنوان الابرز من خلال إيجاد قاعدة تشريعية تكفل تجسيد الديمقراطية الحقيقة ومن خلال العمل على تحقيق نهج الحكم المحلي الديمقراطي عبر تعديل قوانين الحكم المحلي والبلديات وللامركزية اوالإنتهاء من الخلاف حول قانون الإنتخاب، إضافة إلى تحسين آليات عمل مجلس النواب، ومن ضمنها النظام الداخلي، وتكريس عمل الكتل النيابية على أساسٍ برامجي وحزبي، وكما هي التوحيهات الملكية أن تسري هذه الإصلاحات بالتوازي مع تعديل النصوص الدستوري ذات العلاقة بها.
وللحديث بقية