كيف نستطيع أن نصهر براكيناً من العقول الناشئة و قولبتها لصنع أعظم العقول؟ كيف يمكن أن نخلق بيئة صحيّة غنيّة بالتنوّع لتكبُرَ بذورها على حبّ الوطن و عِشق جميع عناصره ....
أيُبنى وطن الودعاء بالحرف ؟ نعم .... كيف ؟
الحرف البسيط الذي نكتب به و نغرّد من فوّهات السنتنا به أيضا هو سلاح لا مثيل له , هو مصدر خوفٍ و قلق لمن يكرهون الحقيقة , هو قنبلة موقوتة تبيد الجهل و التخلّف المتوارث , لن نرتقي مطلقاً ما لم نُبجّل الحرف و نطوّعه لنهضتنا , لكن للأسف نحن نطعن الحرف و نأسره و أحياناً نغتصبه لنخفي ضعفنا و تكاسلنا ....
الحرف مسروق الصوت الذي يملأ مناهجنا هو ناقص , أو حتى بسيط و سطحي لأبعد الحدود , فعندما يُسلّم الحقيقة لنهجٍ معيّن فهو سلعة تُباع و تُشترى , الحرف الذي لا ينصف الجميع في وطن يعامل به عامل الوطن كالوزير , العالِمْ كالفلاّح , المعلّم كالطفل , و أخيراً المسيحيّ كالمسلم , هو حرف لا ضميرَ له و لا مبدأ ..
يظنّ العرب بأنّ الثورة هي إزاحة رأس الدولة بحثاً عن التجديد , بينما الثورة الحقيقية هي تلك الصامتة التي تتولّى زمامها العقول , تلك التي لا هتافات فيها إلّا طقطقة الأقلام , و هذا ما يحتاجه عالمنا العربي المُتهالك , فنحن نحتاج لثورة علمية ثقافية حقيقية لا خراب فيها أو قتلى , مناهجنا المدرسية بائسة عقيمة لا تستطيع أن تُنجب الإبداع و تكبّره , زواياها متحجّرة صمّاء , فكيف نرجو من جيل المُستقبل التطوير و النجاح ؟
لا يستطيع الإنسان أن يتعالج بذات البيئة التي دمّرته , و كذلك لا يستطيع العقل اليافع أن يُبدع إن تلقّف ذات الحشوات الفكرية كأسلافهِ , المناهج التربوية يجب أن يعاد تجديدها و هيكلتها , يجب أن تصاغ بمعايير اليوم لا البارحة , يجب أن تجعل الطفل يكبر على حبّ أخيه الإنسان بصرف النظر عن أيّ اختلاف , لا بل أن تجعل الإختلاف أداةً لقتل الجهل و التجهيل , تجعله يدرك منذ الصغر بأنّ مفتاح الجنّة لا نسخَ له , و أن التنوّع هو سنّة الحياة .
مهما حاولنا القضاء على الفساد و تشييد المشاريع و المباني الشاهقة و الشواطئ الساحرة , إن لم نستثمر بالحرف و العقل لن نرتقي مطلقا , فوطن الودعاء لن يُبنى إلّا بالحرف ....