تصر إسرائيل على مواصلة ذات سياساتها، وتصدير الازمات الى الأردن. والكل يدرك ان الملف الفلسطيني له تأثيرات اردنية، لاعتبارات سياسية وجغرافية، ولا يمكن فصل تأثيرات الملف الفلسطيني عن الأردن، فالجغرافيا والتاريخ هنا، ثنائية لا يمكن الفكاك منها ابدا.
رئيس الحكومة الإسرائيلية المفترض رحيله، على عداء شخصي مع الأردن، وله تاريخ من التصرفات التي تجعله ثقيلا على صدر الأردن، ورحيله في كل الأحوال، مرحب به، خصوصا، ان سياساته وصلت حد الضغط على الأردن في ملف المسجد الأقصى، الذي لا يمكن للأردن ان يتعامل معه بشكل عادي، او بكونه مجرد ازمة عابرة في العلاقات.
قد يأتي من يقول ان إسرائيل اعادت الأردنيين مصعب الدعجة وخليفة العنوز، بسبب الاتصالات السياسية والأمنية مع الأردن، وهذا دليل وفقا لهؤلاء على ان بقاء العلاقة مع الإسرائيليين مهم، من اجل التنسيق في بعض القضايا، وحل الازمات، لكن أصحاب هذا الرأي يتناسون ممارسات اكبر واخطر تهدد الأردن، على مستوى مصالحه وموقعه وسياساته، كما ان اطلاق سراح الأردنيين الاثنين، جاء استباقا لأي عملية تبادل اسرى، يجري التفاهم عليها.
ليس ادل على ذلك من عودة الممارسات الإسرائيلية ضد المسجد الأقصى، والاقتحامات تتوالى يوميا، بل ان مسيرة الأعلام الملغاة أو المؤجلة، قد تعود ونراها يوم الثلاثاء المقبل، او في أي توقيت، كما ان إسرائيل بدأت سياسة بديلة، عبر السماح لمجموعات المستوطنين باقتحام المسجد الأقصى، يوميا، وبأعداد كبيرة، للتعويض عن وقف مسيرة الأعلام، وهذا يعني ان إسرائيل هنا، تعيد تهديد المسجد الأقصى، الذي يرعاه الأردن، وتعيد فوق ذلك احتمالات انفجار الأوضاع في فلسطين والقدس وغزة، بذات الطريقة التي رأيناها في رمضان.
اليوم الخميس قد نرى اقتحامات كبيرة من جانب المستوطنين للمسجد الأقصى، وهذا يعني ان الساعات القليلة المقبلة قد تكون حساسة، وأيضا هناك تخطيط لممارسات كبيرة خلال الأسبوع المقبل، من جانب إسرائيل التي تريد استعادة ماء وجهها، بعد الضربات التي تلقتها، لكنها خلال هذه المحاولات، تعتدي على الأردن ورعايته، من جهة، وتعتدي على الفلسطينيين معا.
الأردن يواصل التعبير عن موقفه السياسي من إسرائيل بهدوء، او بتدرج، على اعتبار ان هناك اتصالات لوجستية، لا يراد قطعها مع إسرائيل، مثلما لا يراد توتير العالم الغربي من موقف الأردن، إضافة الى الذريعة التي يتحدث بها مسؤولون والتي تتضمن كلاما عن ضرورة الصبر، حتى تكتمل ولادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لعلها تعيد التموضع في علاقتها مع الأردن، مقارنة بفترات نتنياهو، وهذه المحددات، ومعها المراهنة على احتمال اطلاق عملية المفاوضات مجددا، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قد لا تؤدي مجتمعة الى تغيرات في إسرائيل، بقدر كونها تؤثر على القرار في الأردن فقط، فيما تواصل إسرائيل ذات السياسات، التي تصل حد مس المسجد الأقصى، والاعتداء عليه عسكريا، بكل الطرق.
يجب الا نستمر بذات الطريقة، فيما يثبت كل مرة، ان إسرائيل مهدد أساسي للأردن، ومصالحه ووجوده، خصوصا، ان أي تصرفات إسرائيلية ترتد على الداخل الأردني، من باب رد الفعل الشعبي، كما أن تهديد المسجد الأقصى، كل مرة، يعد اعتداء مباشرا على موقع الأردن، ورعايته للحرم القدسي، ولا أحسب ان هناك فرقا بين الحكومة الإسرائيلية التي سترحل، والحكومة الإسرائيلية التي ستأتي، خصوصا، ان كل الأطراف في إسرائيل، تسترضي المستوطنين، بكل السبل، حتى لو كانت الفواتير الثقيلة اردنية وفلسطينية.
لا يمكن ألا يعاد تقييم العلاقة بين الأردن وإسرائيل، وهي علاقة يجب ان تخضع لإعادة تقييم على مستويات عليا، من باب قراءة اخطارها، وكلفتها، على كل المستويات.
الأقصى ملف أردني فلسطيني، وإسرائيل تهدد الأردن، يوميا في هذا الملف.
(الغد)