المعارضة السياسية في الأنظمة والدول الديمقراطية عادة ما تكون مؤطرة ومنظمة من خلال المؤسسات السياسية في إطار الأحزاب السياسية الموجودة في السلطة، ولكن يمكن للمعارضة أن تكون خارج هذه المؤسسات من قبل الحركات الاجتماعية. بكل الأحوال في الدول الديمقراطية الأحزاب التي تفوز بغالبية الأصوات تشكل الحكومة وتلك التي لم تستطع تشكيل الحكومة تتحول إلى معارضة، لذلك نجد أن حزباً معيناً كان في السلطة في فترة معينة يصبح في المعارضة في فترة أخرى. إذا لا توجد معارضة دائمة أو موالاة دائمة.
المعارضة عادة ما تكون للسياسات التي تنتهجها الحكومة وليس للنظام السياسي لأن المفروض أن تلك الأحزاب تقبل بقواعد اللعبة السياسية والدستور وتحتكم وتنصاع للقوانين النافذة. الحكومات التي لديها أغلبية برلمانية تستطيع أن تغير في القوانين والدستور ضمن القنوات المتفق عليها، ولكن هذه ليست عملية سهلة وأغلب التغيير يكون على السياسات والقوانين.
التجربة السياسية الأردنية اختبرت الأحزاب السياسية مبكراً ولكن اصطدمت الدولة مبكراً مع الأحزاب لتوجهاتها المتناقضة للدولة وخاصة التي كان لها ارتباط خارجي، ونتيجة للأزمات الإقليمية والداخلية تعطلت الحياة البرلمانية والحزبية حتى أواخر الثمانينيات. وبعد عودة الديمقراطية والانتخابات كانت هناك أحزاب معارضة بشكل شبه دائم وكانت أيديولوجياتها تتعارض مع الدولة بشكل جوهري ولكن استمرت بالعمل ضمن الضوابط القانونية بالمجمل. مع مرور الوقت تراجعت الأحزاب السياسية وباستثناء عدد محدود من الأحزاب فإن غالبية أعضاء مجلس النواب هم من أشخاص لهم طموحات واهداف مختلفة وشخصية. جزء كبير منهم ليس لديه خبرات أو تجارب سياسية او في العمل العام لا بل دخل اصحاب المصالح الاقتصادية لخدمة مصالحهم لا المصلحة العامة. بغض النظر عن خلفياتهم وبالرغم من وجود كتل برلمانية الا أن أغلب النواب يعملون بشكل فردي. ومنذ بداية التسعينيات ازدادت المعارضة الفردية في الظهور في الحياة البرلمانية واصبحوا يتصدرون المشهد السياسي والإعلامي.
للأمانة لا يمكن وضع هؤلاء في سلة واحدة فهناك من كان منهم على سوية عالية سياسياً وفكرياً ولديه حرصه وغيرته على المصلحة العامة ولكن البعض الآخر لا يتمتع بنفس السوية.
هناك بعض الصفات التي تجمع المعارضين الفرديين بغض النظر عن دوافعهم وإمكانياتهم السياسية والفكرية.
الصفة الأولى هي عدم قدرتهم على تأطير أفكارهم وموافقتهم بعمل جماعي داخل البرلمان حتى يكون لهم التأثير في سن القوانين والمراقبة مفضلين العمل بمفردهم مما أدى لضعف أدائهم كبرلمانيين.
الصفة الثانية أن اغلبهم يتحول لمعارضة دائمة ومطلقة للحكومات واحيانا لسياسات الدولة وتدريجياً يتحولون (عن معرفة او دون) لسياسيين شعوبيين يسعون لاستمالة الناس العاديين الذين يشعرون بأنه يتم تجاهل مطالبهم من قبل النخبة السياسية وبالتالي تأليبهم على النخبة من خلال توصيفاتها بالفساد والعجز وغيره.
نتيجة للشعبية التي يحصلون عليها بسبب مواقفهم المعارضة تتضخم الأنا لديهم ويبالغون في قوتهم وترتفع مطالبهم وأصواتهم وغالباً ما ينتهي المطاف بهم خارج المعادلة السياسية.
السبب الرئيس لهذه الظاهرة هو غياب وضعف المشاركة السياسية الحزبية وضعف الكتل البرلمانية والعمل الجماعي وكذلك تهميش البرلمان من قبل الحكومات المتعاقبة. الشعبوية ظاهرة عالمية ولكن العمل السياسي والبرلماني الفردي والشعبوي في الأردن اصبح مقلقا ومعوقا للعمل المؤسسي في اغلب الاحيان.
يجب التوقف عند هذه الظاهرة وأثرها على الحياة السياسية وأخذها بعين الاعتبار في عملية الإصلاح السياسي المنتظرة وتعزيز العمل السياسي المنظم المضبوط فكرياً وسياسياً من خلال تمكين الاحزاب السياسية التي يجب ان تكون احد اهداف الاصلاح السياسي.
(الغد)