عيد الجلوس ومئوية الدولة .. محطات مهمة في عمر الأردن
لينا العالول
09-06-2021 04:15 PM
يحتفل الأردنيون اليوم بعيد الجلوس الملكي الثاني والعشرين، وهي مناسبة عزيزة على قلوب الأردنيين، تملأ النفوس فخراً بمسيرة التقدم والتطور التي قادها جلالته منذ اعتلائه سدة العرش. كما يتزامن هذا العيد في هذا العام أيضا مع مئوية تأسيس الدولة الاردنية الحديثة. وهذه المناسبات الوطنية الغالية على قلوبنا، تشكل بالحقيقة فرصة لنا نحن أبناء هذا الوطن الحبيب، لنفخر بما أنجزه الأردن وعلى مر العقود، بفضل قيادته الهاشمية الحكيمة، ومؤسساته الوطنية الراسخة وبسواعد أبنائه وبناته الأوفياء.
لقد شكل يوم التاسع من حزيران عام 1999م، مرحلة مضيئة في تاريخ الأردن الحديث، استكمل فيه جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم مسيرة الحسين في بناء الدولة الاردنية المدنية الحديثة وتعزيز منعتها وقوتها على كافة الأصعدة، وتعزيز مقدرات الوطن ومكانته الدولية. كما انتهج جلالته منذ اليوم الأول لتسلم سلطاته الدستورية واعتلائه للعرش ، نهجاً متقدما في الإصلاح والتنمية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعي، كما امتاز بالعزيمة والتصميم على تجذير أسس الديمقراطية والعدالة ودولة المؤسسات ودولة القانون، وقد عبر جلالته عن هذا صراحة في أوراقه النقاشية السبعة. واتسم عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بحرصه وتركيزه الدائم على أن أهم ركيزة في عمل أي مسؤول أو مؤسسة أو فرد هي، حماية وتعزيز سيادة القانون. فسيادة القانون هي أساس الإدارة الحصيفة ، أي تلك التي تعتمد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أساسا في نهجها. فلا يمكننا تحقيق التنمية المستدامة وتمكين شبابنا المبدع وتحقيق خططنا التنموية، إن لم نضمن تطوير إدارة الدولة وتعز مبدأ سيادة القانون، وذلك بترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والشفافية؛ هذه المبادئ السامية التي قامت من أجلها وجاءت بها نهضتنا العربية الكبرى وقامت على أساسها الدولة الأردنية الحديثة والتي نحتفل بمناسبتها هذا العام.
لقد أرسى الهاشميون ومنذ نشأة الامارة، ركائز الدولة الاردنية وفقا لدولة القانون والمؤسسات. فقد شكلت المؤسسات الاردنية الدعائم الرئيسية، لنشأة ونمو وازدهار أردننا الحبيب، وربما من أهم هذه المؤسسات العريقة، هي المؤسسة التي يفتخر جلالته أنه أحد أبنائها، الا وهي مؤسسة الجيش، الجيش العربي الذي شكل و منذ تأسيسه الدعامة المبكرة للحفاظ على حدود الوطن وأمنه وأمن مواطنيه وصد أي عدوان محتمل ضد وطننا الحبيب. هذه المؤسسة القديرة التي لطالما حققت الانجازات المتتالية على المستوى المحلي والعالمي. كما يجب أن لا نغفل أيضا، عن دور المؤسسة التعليمية في نهضة الاردن وعلى مدى عقود من من الزمن. فقد شهدت المئوية الأولى للدولة الأردنية نهضةً عظيمةً وإنجازات كبيرة في قطاع التعليم. حيث أولى جلالته اهتماما كبيرا بالتعليم ووجّه الحكومات المتعاقبة بضرورة الاهتمام بالتعليم وتطويره ومواصلة مسيرة البناء والاستثمار في الموارد البشرية لأنها الأساس في التنمية الشاملة كما حثهم على إيلاء أقصى درجات العناية بفئة الشباب وتمكينهم لتحقيق أحلامهم وتأمينهم لمستقبل مشرق.
كما أولى جلالته ( حفظه الله ) منذ اليوم الأول لتحمله أمانة المسؤولية الدستورية. اهتماما كبيرا بمؤسسات الوطنية ودورها الرئيسي في خدمة الوطن والمواطن. فقد عمل جلالته و بعزم لا يلين على تحديث مؤسسات الدولة وتطوير الأداء في القطاع العام، وجعل هدف تحسين اداء مؤسسات الدولة، متطلبا أساسيا للمواطنين وعاملا رئيسيا في تحسين البيئة الإستثمارية الأردنية والمساهمة الحقيقية في جذب الإستثمارات. كما أولى جلالته أهمية كبيرة للأدارة الحكومية ودورها في إصلاح القطاع العام ورفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين على ضوء توجيهات جلالة الملك عبداالله الثاني واهتمامه بتحقيق التميز في القطاع العام ومن الأمثلة على ذلك إنشاء جائزة الملك عبداالله الثاني للتميز في الأداء الحكومي وغيرها من الأمثلة . وبالطبع، أولى جلالته بالغ اهتمامه للعمل على ترسيخ مكانة أحد أهم المؤسسات الوطنية، الا وهو مجلس الأمة، حيث شدد جلالته على مكانة الأمة وأنها هي مصدراً للسلطات والشريك الرئيسي في صناعة القرار، وذلك انطلاقا من التزامه الدائم بمصلحة المواطن الاردني. وقد ثمثل هذا في توجيهاته السامية باجراء الانتخابات النيابية العام الماضي، رغم كل التحديات الوبائية، وذلك التزاما بنصوص الدستوروتأكيدا لأهمية وجود مؤسسات وطنية فاعلة كالبرلمان وقيام هذا المجلس بدوره التشريعي والرقابي .
إن مثل هذه المناسبات ، يجب أن تمثل فرصة لنا للقراءة الواعية والتقييم الحقيقي لما مر به الأردن خلال المئوية السابقة من انجازات، وتحديات ومن فرص وأمال مرتقبة، وأن تقودنا هذه القراءات والتأملات لأن نتوافق على تحديد أهدافنا الوطنية في المئوية الثانية، ومالذي نصبو اليه في المئوية الجديدة بالتحديد؟ وما هي السبل الفضلى لتحقيق هذه الاهداف؟
مما لا شك فيه ، ان بناء الأمم والدول القوية والراسخة، هو بلا شك، نتاج التعلّم الدائم من التجارب المتراكمة، والجهود المشتركة، والتطوير المستمر . كما أن أحد أهم عومل ازدهار الدول وترسيخ مبادئها هو وجود مؤسسات وطنية قوية وعصرية تدعم تقدم البلد وازدهاره. وهذا يستدعي تظافر الجهود والعمل على تعزيز دور المؤسسات الوطنية في المئوية الثانية، عن طريق تعزيز دعائم تلك المؤسسات بمعايير الحداثة والأصالة معا. فدولة المئوية الثانية ومؤسساتها، تقوم على مبادئ المساواة ودولة القانون وسيادته المستمده بالاساس من مبادئ الثورة العربية والدستور الأردني. في نفس الوقت تقوم القوانين التشريعات الملائمة لروح العصر والتقدم التكنولوجي بحماية تلك المؤسسات وضمان دورها الاساسي وهو خدمة المواطن الأردني وتلبية حقوق الافراد وتحقيق للعدالة التي تشكل الركيزة الأساسية لازدهار أي بلد في العالم واستدامة مؤسساته.
وهذا ما رسمه لنا جلالته في أوراقه النقاشية من رؤية واضحة للفكرالمتجدد كركيزة أساسية لتقوية المؤسسات الوطنية. فقد شكَّل الدستور أساس لمؤسسات الدولة وللحياة السياسية والديمقراطية الذي طالما وفر إطاراً تنظيمياً لقراراتنا وخياراتنا على مدى مئة عام. وهذا هو الأساس، ولكن لا بد أيضا من أن تستمر المؤسسات والقوانين بالتطور والارتقاء نحو الأفضل. لقد حققنا بالفعل تقدماً مشهوداً على هذا الطريق في السنوات الأخيرة، إذ قادت التعديلات الدستورية التي شملت ثلث الدستور إلى تعزيز الفصل والتوازن بين السلطات، ورسخت استقلال القضاء، وصون حقوق المواطن. كما تم إنشاء محكمة دستورية، وهيئة مستقلة للانتخاب. وهذه الانجازات تهدف إلى تمكين شعبنا الأردني من رسم مستقبل الوطن بشفافية وعدالة وبمشاركة الجميع بالذات فئة الشباب واتاحة الفرصة الحقيقية لرسم المستقبل ولعب دور أكبر في المئوية الجديدة.
ومن هنا إذا أردنا تحقيق إدارة ناجحة وتطوير عمل مؤسسات الدولة خلال المئوية الثانية، فيجب العمل على أن تكون هذه المؤسسات مبنية على أساس العدالة وتكافؤ الفرص والنزاهة والشفافية؛ وهذا الامر يتطلب وضع تشريعات عصرية قابلة للثبات والتجدد في نفس الوقت، أي تلائم درجة التطور الذي نسعى اليه، وثابتة في دورها الراسخ في تفعيل دور الإدارة الحازمة بكل مستوياتها لمكافحة الفساد والواسطة والمحسوبية والمحاصصة وغيرها من ممارسات تضعف عمل تلك المؤسسات الوطنية وتزيد من فجوة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
وعلينا أن لا ننسى أن تطوير مؤسسات الدولة يعتمد وبشكل رئيسي على بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية والتي هي جوهر نهضة الأردن ورفعته.فلم يعد خافيا على أحد أننا نعيش في عصر تسارعت خطاه، وأننا لن نستطيع أن نواكب تحديات هذا العصر إلا بأدواته المعرفية الجديدة، ولا أن نلبي احتياجاته إلا بوسائله التقنية الحديثة وبإدماج الشباب في مؤسسات الدولة والاستفادة من طاقاتهم.
وها نحن اليوم نتطلع جميعا ، ملتفين حول الراية الهاشمية لمواصلة مسيرة الاباء والاجداد في العمل والإنجاز، والمساهمة الفاعلة في بناء أردن أقوى ، واقتصاد منتعش ومعتمدٍ على ذاته، وقادر على توفير فرص عمل ملائمة للشباب الأردني. وهذا بالطبع، لا يتحقق إلا بتحمل المسؤولية وتطويرالقدرات الوطنية الكامنة وايلاء أهمية أكبر للمنظومة التعليميمة وموائمتها مع حاجة السوق وزيادة المشاريع الريادية والتقنية وتوفير الادارة الكفؤة للوزارات والمؤسسات الوطنية والعمل على استقرار التشريعات الاقتصادية الاساسية وتكاملها ، ضمن اطار العدالة الاجتماعية وسيادة القانون .كما نتطلع نحن الشباب الاردني على وجه الخصوص، الى أن يشكل أردننا الحبيب، النموذج والقدوة في مجال الديمقراطية والتعددية السياسية و احترام حقوق الانسان وترسيخ النهج الديموقراطي وضمان التنمية واستمرار توازنها بما يؤدي الى ترسيخ العمل التشاركي وتمكين فئة الشباب من المشاركة واتاحة الفرصة لهم للمشاركة في صنع القرار وتبوء مواقع المسؤولية، وعلى أساس الكفاءة والاجتهاد، وفي اطارٍ من التوازن بين الحقوق والواجبات، تكريسا لمبدأ المواطنة السامي.