الدولة القوية مصلحة للجميع
نبيل غيشان
08-06-2021 10:46 AM
يقال بان الدولة فقدت هيبتها وفقدت ثقة الأردنيين فيها. والناس تدعو لاستعادة هيبة الدولة، فهل للدولة هيبة؟ وهل خسرت الدولة هيبتها؟ من المستفيد من ذلك؟ هل كانت الهيبة بالأصل موجودة ؟ لماذا غادرتنا ومن سعى إلى ذلك؟
تلك هي الأفكار المتداولة بين الأردنيين في كل المجالس، فالكل يشكو ويتحسر على هيبة الدولة وتراجع ثقة الأردنيين في حكوماتهم ودولتهم. من افقد الدولة هيبتها وأضاع ثقة الناس فيها؟
نعم. المواطن يشعر أن الدولة غائبة، غير فاعلة، لا يكاد يلمحها إلا على بطاقة الأحوال المدنية وجواز السفر، لكن هذه الشكوى لا تظهر إلا عندما تندلع المشاجرات وأعمال الشغب والفوضى أو التجاوز على القانون والنظام او ظهور حالات الفساد أمام الناس.
نعم للدولة هيبة، تتمثل في فرض القانون والنظام العام ومنع الناس من تجاوزهما، لأنه ليس من حق الفرد أن يتمرد على الدولة و يخرج إلى الشوارع، يشتم ويسب، أو يدمر الممتلكات العامة والخاصة من دون حسيب أو رقيب، والهيبة هنا تعني أن تدير الدولة المجتمع وتحتكر السلطة والسلاح، لكن الدولة ليست أدوات أمنية فقط بل مؤسسات دستورية، من برلمان إلى أحزاب إلى نقابات إلى مؤسسات مجتمع مدني وإلى إعلام ، كلها تتعاضد من أجل خير البلد ورفعته.
الأردنيون تعودوا أن تكون الدولة قائدة لا منقادة، فاعلة لا عاجزة، دورها كبير لا صغير، فالدولة التي لا تؤمن العدالة للجميع والحرية للمجتمع او تتراجع خدماتها و تكفُّ عن ممارسة دورها الاقتصادي والسياسي والأمني، لا مستقبل لها، ولن تحظى باحترام شعبها.
وفي ذات الوقت لا مصلحة للناس في تراجع الثقة بالدولة ومؤسساتها لان في ذلك خطر عليهم وعلى مستقبلهم.
ما نراه اليوم، أن كل طرف يترصد بالطرف الآخر، وينتظر أن يهفو أو يقع في الخطأ من أجل أن يأكل لحمه، متناسين أننا جميعا في مركب واحد، النخب الأردنية اغلبها متهالكة وانتهازية، والدولة فشلت في أن (تربي) نخبا قادرة على حمل مشروعها الوطني، فما أن يغادر المسؤول الكرسي حتى يلتقي مع رماة الحجارة في الشوارع أو أصحاب الشعارات الجوفاء، ومؤسسات المجتمع ليست بأفضل حالا، كل يحاول أن يضع النار على قرصه ومصالحه ويتسلى على الآخرين.
إن الدولة الأردنية من أكثر دول العالم استهلاكا للنخب وهي بالأصل غير منتجة للنخب ولم تعد تمارس هذه المهمة، الأمر الذي أدى الى نضوب في القيادات والرياديين.
ثمة مهمات عاجلة للدولة الأردنية، الأولى: استكمال مسيرة الإصلاح والتحديث سعيا إلى الديمقراطية التي تُوسِّع المشاركة الشعبية في صنع القرار بما يضمن استمرارية وتوسيع شرعية النظام السياسي، وهناك كم هائل من الأفكار في الأوراق النقاشية الملكية المنشورة والقادرة على وضع خارطة طريق حقيقية.
والمهمة الثانية: أن تسعى الدولة إلى استعادة الأردنيين، وتعيد نسج علاقاتها بهم على أسس جديدة، فلا مجال للمغامرة في فقدان الدولة، لأنها إنجاز وفرصة ربما لا تتوفر دائما، ولا يمكن التفريط بها، فتغيير الخرائط الديموغرافية أو الجغرافية يجر إلى الفوضى التي لا يريدها أحد، ولا مصلحة للأردنيين في فقدان إنجازهم التاريخي بوحدتهم ودولتهم.
والمهمة الثالثة: تحديث الدولة بما يتواءم مع متطلبات المرحلة الجديدة، فالنظام العربي القديم بدأ يختفي، والأمل بنظام جديد أكثر عدالة وشفافية.
المطلوب اليوم ترسيم استراتيجية للدولة الأردنية، أهدافها وأساليب عملها وأشكالها وأدواتها، وتحديد مفاهيم غابت أو اختلطت على بعضهم منذ زمن بعيد، ولا نقصد هنا ترسيم الخطوط الحمر والخضر بقدر ما هو إعادة صياغة مفهوم الدولة ودورها ودور الآخرين فيها بشكل واضح، والإجابة على كل الأسئلة المسكوت عنها منذ عشرات السنين، لأن في ذلك حلاً للكثير من المشاكل العالقة.
وأخطر ما يمكن أن يتم تكريس غياب الدولة في ذهنية المواطن، واقتناع الأردنيين بأننّا في "فلة حكم"، وأن الدولة عاجزة عن حمايتهم أو حماية ممتلكاتهم، خاصة بعد أن رأينا أشخاصا أو مجموعات تعمل ما يحلو لها في الشارع من تكسير وتخريب وشتم واعتداء على الحياة الخاصة للناس والرموز دون محاسبة.
فهذا غير مقبول، لأن عجز الدولة يدفع ثمنه المواطن، وتراجع هيبة الدولة هو تراجع للقانون والنظام، ولا مصلحة للأردنيين إلا باحترام دولتهم والمحافظة عليها. فالأمن والأمان اللذان تفرضهما الأجهزة الأمنية باقتدار نعمتان لا نراهما إلا في عيون الخائفين والمشردين.
وواجب الدولة أن تضع حدودا فاصلة بين حرية التعبير كحقٍّ كفله الدستور، وبين حرية الفعل، فالتعبير عن الرأي والمواقف بالشعارات السياسية والمطالب الخدماتية حق لا نجادل فيه، لكنْ حق الفعل كالتمرد والتخريب والشتم هو اعتداء على حقوق الآخرين لا يمكن إباحته، أو تبريره مهما كانت المعطيات.