تعد ممارسة النشاط السياسي من الحاجات الأساسية في تكوين شخصية الفرد، وكلما كان الفرد متحرراً من القيود القانونية والأخلاقية وضوابط العادات والتقاليد كانت جرأته السياسية أكبر، وهذه الجرأة السياسية يمكن أن تتعزز لدى الفرد بفعل وقوعه تحت تأثير احد عاملين: العامل الأول، أن تكون منطلقة من عقيدة سياسية راسخة، وهنا يحاول الفرد جاهداً من خلال نشاطه السياسي إلى كسب التأييد السياسي لصالحه في تبني قضيته التي يرى أنها تعود بالنفع العام على المجتمع، وغالباً ما يتبنى القضايا من هذا النوع الشريحة المجتمعية المثقفة وبدرجات متفاوتة حسب تقدير الأهمية ودرجة النفعية المترتبة عليها.
أما العامل الثاني المؤثر في درجة الجرأة السياسية فهو الاندفاع العاطفي الشخصي، والاندفاع العاطفي للفرد يمكن أن يكون أيضاً أداه من أدوات التأثير السياسي على أفراد المجتمع، حيث يمكنه من خلال التأثير العاطفي كسب مؤيدين لقضيته أو توجهاته السياسية، وغالباً ما ينجرف وراء هذا المؤثر السياسي الفئات المهمشة في المجتمع.
ولما كانت التطلعات السياسية للفئات المهمشة في المجتمع مختلفة ومتباينة، وكل منها تعد قضية بحد ذاتها، وتتطلب عمليات الخوض فيها سقوفاً أكبر من الحرية، فإن الفرد الذي يتخذ من هذه الفئات الشعبية قاعدة سياسية داعمة له، سيجد نفسه مضطراً إلى الانجراف وراء المؤثرات العاطفية، والتحرر أكثر فأكثر من الضوابط القانونية التي تحكم نشاطه السياسي، فتظهر تصريحاته وخطاباته السياسية الموجهة إلى جمهوره السياسي خارجة عن حدود المسؤولية القانونية، الأمر الذي سيتسبب في وقوعه في المصيدة القانونية.
لهذا يمكن اعتبار أن الجرأة السياسية في حالة الاندفاع العاطفي الشخصي اخطر أنواع النشاط السياسي، وأن مآلها إلى الحكم على نفسه بالانتحار السياسي، ليس لأن المنطلق الأساسي لها يكون مرتكزاً على تحقيق مصالح شخصية بحته، ستظهر للعيان مهما استطاع التعمية عليها، ولا لأن الفئات السياسية المؤيدة له ستتخلى عنه وسترفض تأييده في مساعيه لتحقيقها لأنها تتعارض مع ميولهم السياسية وثوابتهم الوطنية فحسب، بل لأنه ستتعاظم لديه عوامل الاندفاع العاطفي الشخصي بشكل اكبر، وسيضطر إلى الإفصاح العلني عن قضيته الشخصية الأساسية، وكلما كان جريئاً في الإفصاح كلما تقلص عدد مؤيديه لأنه يقترب من خصوصية قضيته الشخصية، ويبتعد عن عموم قضايا القاعدة الشعبية المحيطة به، والتي سرعان ما ستتلاشى روابطها السياسية به، ومن ثم سيجد نفسه وحيداً في مواجهة الادعاء العام بقضايا جنائية، وجرائم مكتملة الأركان، تورط فيها وهو في نشوة الاندفاع السياسي العاطفي، ولن يجد حوله إلا المعزين من الفئة القليلة التي لديها شكوك بأن هذا الفرد وقع ضحية مؤامرة، وهذه الفئة أيضاً لن يطول أمد بقائها حوله، فسرعان ما تنتهي مراسم العزاء وتتلاشى، بعد أن تكتشف أن هذا الفرد فاقد للأهلية السياسية.
kayedrkibat@gmail.com