يعد النسيج الاجتماعي لأي مجتمع من المجتمعات من أهم العوامل التي تسهم في تماسكه وتطوره والحفاظ على قوته وأمنه، وتختلف تركيبة المجتمع من مجتمع لآخر ففي مجتمع كالمجتمع الأردني نجد أن العشائر جزء هام ومكون أساسي لهذا النسيج.
وقد واكب أبناء العشائر الأردنية تطور الدولة وكانوا مساهمين فاعلين في نهضتها من خلال تحلي أبنائها بالوعي والحرص على أمن وتطور الوطن فكان من أبنائها رجال السياسة والاقتصاد، كما كان من أبنائها القادة العسكريين الذين ساهموا بكفاءة واقتدار في الذود عن حياض الوطن، كما أفرزت العشائر قيادات متميزة على مستوى الوطن واكبت التطور وساهمت في البناء حيث أن الكثير من الزعامات القبلية وشيوخ يتمتعون بمستوى عال من التعليم والثقافة والمعرفة مما أضفى طابع حضاري متميز لدور العشيرة.
ومما يؤسف له أن تظهر من وقت لآخر إشارات من البعض تحاول الربط بين العشائرية والتي تعد من سمات المجتمع الأردني وما يحدث من مظاهر سلبية دخيلة وطارئة كالعنف المجتمعي أو الاعتداء على الآخرين دماً أو مالاً أو عرضاً في محاولة لإلقاء المسؤولية على التركيبة العشائرية، وهذا حكم يفتقد للموضوعية ويحمل في طياته رسائل تهدف إلى إضعاف مؤسسة مجتمعية هامة ذات دور كبير في المحافظة على النسيج الاجتماعي ووحدة المجتمع وتماسكه، ويتجاهل أن العشيرة تشكل منظومة منضبطة بعادات وتقاليد عريقة تقوم على احترام الآخر وعدم الاعتداء بل وتسعى إلى الرقي بأخلاق أفرادها فهي مدرسة للكرم والشجاعة والمروءة ولها أعرافاً صارمة لترسيخ هذه القيم.
لقد نبذت العشائرية في أفقها الواسع العنف المجتمعي ووضعت القواعد لمحاربته مستندة في ذلك إلى الإرث العربي والإسلامي الذي جعل لزاماً على القبيلة تحمل تبعات تصرفات أبنائها، وما نظام "العاقلة" في الإسلام الذي يجعل دفع الدية على أقارب الدم إلا دليل على المسؤولية المشتركة كنظام لردع من يرغب في الإساءة للآخرين؛ ومن هنا ينبغي استثمار دور العشيرة في المحافظة على أمن المجتمع ونموه واستقراره.
إن استثمار دور العشيرة والاستفادة من جوانبه الايجابية ودور أبنائها التاريخي أسهم في معالجة الكثير من مشاكل المجتمع حيث أن دورها لم يتعارض يوماً مع دور الدولة ومؤسساتها بل أنها تعد إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي أسهمت في بناء الدولة الحديثة وما ارتفاع نسب التصويت في الانتخابات البرلمانية في المناطق ذات الطابع العشائري إلا مؤشر واضح على الرغبة الأكيدة في المساهمة الفاعلة في النهج الديمقراطي والاصلاحي.
ومن هنا فإن إحسان الظن بهذا الدور وقراءة الواقع قراءةً متأنية لترسيخ دور العشيرة كأداة بناء لا معول هدم في المجتمع - كما يريد البعض أن يصورها- ومحاولة معالجة المشكلات الطارئة التي تواجه أبنائها كارتفاع نسب الفقر والبطالة والانتشار الكبير لمشكلة تعاطي المخدرات يسهم بشكل كبير في زيادة دورها الفاعل في بناء الدولة وتطورها ويحد من مظاهر الاستقواء على الدولة ومؤسساتها والتي لم تكن يوماً نهجاً لأبنائها.