لقد عشنا حتى سمعنا، من يهدد علنا بقتل الملك، برصاصة بين العيون، وأولئك الذين ينتقدون إدارة الدولة في ملف أسامة العجارمة، لم نسمع لهم صوتا أمام هكذا تهديد، وهذا تفسيره منافقة من يظنونه بات الأقوى، والركوب على موجة ستقودنا إلى جهنم.
لقد كتبت قبل أسبوعين، مقالا بعنوان “لماذا لا يحتملون غضب النواب”، طالبت فيه رئيس مجلس النواب، بعدم اتخاذ إجراءات ضد أسامة العجارمة، بسبب مفردة “طز” التي قالها في حوار بينه وبين نائب، وليس في جلسة رسمية، وأمام الميكروفون.
لقد لامني كثيرون يومها على هذا الرأي الذي اعتبروه مجاملا ومهادنا لأسامة العجارمة، برغم أنني قلت يومها، ان كل أزمة قابلة للحل، ولا داعي لصناعة أزمات جديدة في هذا البلد، الذي لم يعد يحتمل أي جديد، وهذا الاعتدال في نص المقال ومضمونه، لم يتقبله كثيرون.
في كل الأحوال وبعد الرأي الذي طرحته لصالح أسامة العجارمة، فوجئت لاحقا بطريقة إدارته لكل الموقف، فحتى التجميد لمدة سنة، ولو كان ظلما لا يجوز أن يؤدي إلى رد الفعل هذا وهذه الفوضى التي نراها، ورفع الأسلحة والسيوف، وتعزيز الانقسام المجتمعي، وتهديد استقرار الناس، والتحريض على الفوضى، ولو سكت النائب قليلا، لحافظ على قاعدة ليست صغيرة، تعاطفت معه عند تجميده عاما، وحتى قبل ذلك، لكن حين يصل الحال الى التهديد بقتل الملك، واغتياله في مجلس النواب، برصاصة بين العيون نكون قد دخلنا العتمة بكل ما تعنيه، والتهيئة للخراب الأكبر في الأردن، فوق ما فينا من أزمات ومشاكل.
هذا ليس رشدا، ولا تعقلا، ولا إدارة وازنة، وإذا كان مجلس النواب الذي عاد وفصل النائب، أدار الأمر بهذه الطريقة منذ البداية، الا ان أسامة العجارمة، أشعل النار، بطريقة مبالغ فيها، وهدد استقرار البلد، بهذا التجييش على أساس محدد، في كل الخطابات والنداءات، وللأسف فإن توظيف مظالم الناس، ومصاعب حياتهم، وضنكهم في معركة من أجل الثأر من مجلس النواب، أمر ليس من حق أحد، خصوصا، ان الفوضى إذا دبت، فلن تنفعنا كل التصنيفات والاتهامات، بين بعضنا البعض، موال ومعارض، سحيج ووطني، وكل هذه القصص، ستدخل البلد، جهنم الحمراء، بكل تعقيدات تكوينها الداخلي، وسوف تلتحق بكل الدول الذبيحة حولنا وحوالينا، وسوف يدفع الكل الثمن، وأولهم أولئك الذين يتبنون شعار” إذا ما خربت ما بتعمر ” وهو شعار يثبت كم ان أصحابه سطحيون، ولا يدركون الكلفة.
هذا الملك لم يقدم نفسه آلهة، وقد احتمل وعائلته طوال فترة الربيع العربي اساءات لا تعد ولا تحصى، تارة بتشويه سمعته المالية، وتارة بجرأة البعض عليه وعلى بيته وزوجته وابنائه، في الشعارات، وصناعة الاتهامات، فلم ينتقم من أحد، لا لحظتها، ولا لاحقا.
هذه الاتهامات لم تكن دليلا على مرجلة من يطلقها، بل كان الصبر عليها، هو دليل المرجلة، في هذا البلد، خصوصا، ان الملك بيده السلطة، وبإمكانه الثأر ممن يتعرضون له، بطرق مختلفة، لكنه لم يفعل، لأن النظام ليس دمويا، ولن يكون، وليس هذا هو تاريخه في الحكم.
لقد كشفت هذه الازمة عن عيوب كبرى، أبرزها اننا بلا هوية محددة، ولا مشروع، وان سياسات الاسترضاء والاستقواء على الأردن، يجب ان تتغير، مثلما أن البيئة التي يتم توظيفها لاستثارة الناس، يجب ان تتم معالجة كل مشاكلها، ونزع الأزمات من جذرها.
حين تسمع في الفيديوهات تهديدات مثل التهديد بحرق عمان تتعجب، من هذا المنطق، وكأن البلد، دكانة يمتلكها الغاضب، أو طرف معين، ومن حقه حرقها، وكأن عمان أيضا بلا أهل، ولا أحد يحميها، ويمكن التطاول على العاصمة، بهذه البساطة، واللافت للانتباه ان الذين يهللون للتهديد بحرق عمان، لا يعرفون أن الحريق إذا شب لن يستثني أحدا ولا موقعا.
هذا البلد، ليس لي وحدي، وليس لشخص، حتى يظن البعض انه قادر على حرقه وقتما شاء، فهذا بلد كل مواطنيه، واليد التي تريد حرق عمان، ستجد من يقطعها قبل ان تحرقها.
لقد آن الأوان ان نصحو جميعا، وان نخاف الله في انفسنا، وبلادنا، وبيوتنا، وان لا نسلم بلادنا بأيدينا الى المجهول ومخططاته، والذين يتمنون له سوء النهايات.
(الغد)