الإصلاح يحتاج إلى قرار لا إلى حوار
مجيد عصفور
07-06-2021 12:22 AM
الحوار الذي «تطوَّع» بإجرائه السيد فيصل الفايز، رئيس مجلس الأعيان، سيلخص ويرفع مكثفاً متضمناً وجهات نظر الشرائح التي التقاها السيد الفايز، إلى جلالة الملك.
في الأنباء أن لجنة قوامها من 70-80 شخصية يمثلون الأطياف الحزبية والنقابية والاقتصادية والشعبية سيتم تشكيلها، وستقسم إلى لجان متخصصة تسعى للوصول إلى أنجع السبل لحلحلة الاستعصاء الذي يحول دون حل الصعوبات التي تضغط على أعصاب الأردنيين.
وفي الأنباء أيضاً ان الأوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك ولم تأخذ حقها في النقاش أو التفعيل ستكون أرضية لعمل اللجنة.
لكن لا نبأ أو إشارة من قريب أو بعيد عن عشرات المحاولات الحوارية والأوراق والتوصيات التي نتجت عن اجتماعات كثيرة عقدت خلال سنوات خلت لنفس الهدف ذهبت جميعها إلى مصير مجهول.
عندما يسمع المواطن في الأخبار أن هناك لجاناً وحوارات عقدت وستعقد من أجل رفع مستوى معيشته وتخفيف معاناته تكون ردة فعله سلبية، وبالتأكيد غير مصدقة، لأنه سمع كلاماً كثيراً ولم يرَ فعلاً حقيقياً، وعلى العكس من ذلك ازدادت أسباب معاناته ولم تنقص.
أهم أسباب عزوف المواطن عن التفاعل مع مثل هذه الأخبار أنه لا يرى نفسه في المشهد، فالذين يتحاورون لا يمثلونه، ويتجاهلون أكبر حزب في الوطن تعداده بالملايين هو حزب الفقراء والعاطلين عن العمل. المتخمون لا يستطيعون أن يتلمَّسوا حاجات الجائعين مهما ادعوا مثلما لا يمكن لأعزب بالغ أن يدرك أهمية توافر الحليب بالمنزل لأنه لا يحتاجه ولا يتألم لفقدانه مثل رب الأسرة الذي قد يفقد أطفاله إذا لم يوفر لهم الحليب والغذاء اللازمين لبقائهم على قيد الحياة.
المواطن يعرف أن من سرق مالاً لا يمكن ان يُشرِّع لاعادة ما سرق وان من عين ابنه براتب خيالي لا يمكن ان يقبل تخفيض راتبه، ويعلم ايضاً ان جل هَم الفاسدين تمرير الحالة وتبريدها فقط، ولا يهم بعد ذلك ان ظل الألم وظلت المعاناة؛ المهم ان تظل مكاسبهم وامتيازاتهم.
إن من أوصل الأردنيين إلى حالة الاحباط وفقدان الثقة بمؤسسات دولتهم وشعورهم بالغربة في وطنهم، المسؤولون الفاسدون الذين أكلوا الأخضر واليابس، ولم يتركوا للناس أي نصيب من خير بلدهم، وهؤلاء أنفسهم سنراهم يتصدرون منصَّات الحوار، فأي أمل يُرتجى؟. وهل نتوقع أن يأتي العمار ممن امتهنوا الدمار؟
هذه ليست نظرة تشاؤمية، ولا وضعاً للعُصي في الدواليب ولا ادمان على السلبية، لكن التجارب الماضية لا تؤدي إلى أية نتيجة أو نهاية تعاكس هذا الاعتقاد، هذه التجارب هي سبب ردَّة الفعل الشعبية إزاء كل أخبار الحوارات قديمها وجديدها، وهي من تطلق الألسن كلها بسؤال واحد ومباشر فحواه: بماذا ستختلف نتائج اللجان المزمع تشكيلها عن نتائج اللجان السابقة؟. وهل نتوقع فرقاً إذا كانت الأدوات ذاتها وعلبة التفكير ذاتها.
إن الإصلاح بشتى أشكاله ومُسميَّاته يحتاج إلى قرار أكثر من حاجته إلى حوار، القرار هو الذي يوقف تعيين أبناء المسؤولين برواتب فلكية، والقرار هو الذي يُعيد المال المنهوب من الفاسدين، والقرار هو الذي يعدل الاعوجاج ويلغيه، ويعيد الاستقامة إلى كل الدروب، بعد أن حرفها وجرفها أصحاب النفوس الرديئة.
إن الإصلاح بمفهومه المباشر يعني أن شيئاً ما تعرض لخراب أو عطب بفعل الزمن، أو بفعل فاعل يحتاج إلى إعادته كما كان، فهل علينا أن ننتظر شهوراً أو أكثر لتكمل اللجان اجتماعاتها، ثم تضع توصياتها، وبعد ذلك تعرض على المؤسسات الدستورية، ومن بعد ذلك وبعده تتم المصادقة عليها ايذاناً بوضعها موضع التنفيذ الذي يحتاج إلى شهور أو أكثر تتغيّر خلالها حكومات ويرحل مسؤولون ويأتي غيرهم يحتاجون لوقت للقراءة والفهم ان كانوا ممن يفهمون ما يقرأون او يقتنعون بما أوصى به سلفهم، وهكذا تتبعثر الأوراق وتتطاير الرجال كما تبعثرت أوراق وتطاير رجاجيل، وما بين حكومة وحكومة وحوار وحوار يظل الشعب ينتظر قدوم الأمل أو الأجل أيهما أسبق.
أي حوار لا يحاسب بأثر رجعي ويعيد المال المنهوب والوظائف المنهوبة ويعتمد مبدأ عفا الله عما سلف لن يُرضي الشعب، أو يقنعه بالجدية وسيزيد الاحتقان والاحساس بالغضب، كما أن اللجوء إلى أسلوب التنفيس أصبح وسيلة غير مفيدة لإنها تؤجل الانفجار فقط.
(الرأي)