العمل جار على قدم وساق للاعداد لإطار عمل نوعي، وايجاد منهجية حداثية لإطلاق ورشة عمل اصلاحية شاملة. الهدف ذو شقين اساسيين: الاول، الا تكون هذه الجولة من الاصلاحات تكرار لسابقاتها التي حققت مرادها واستنفذت اغراضها، فالمطلوب اصلاح بأساليب نوعية تشاركية تحاكي اللحظة والتطورات الوطنية التي حدثت. والشق الثاني، ان تكون الاصلاحات شاملة عميقة وبراغماتية واقعية تحاكي تحدياتنا وتوقنا للاصلاحات، ليس فقط السياسية منها، وانما الاقتصادية والادارية والاجتماعية الثقافية. نحن على وشك البدء بحراك وطني اصلاحي شامل، جميعنا معنيون بالاشتباك معه ايجابيا، ومغادرة مربع السلبية والتذمر والتشكيك، وان نسهم ما استطعنا بإنجاحه وعلى قاعدة اعلاء المصلحة الوطنية العليا وليس مصالح فئة من المجتمع دون غيرها.
في هذه المرحلة، والى ان تتضح اكثر ملامح القادم من ورشة العمل الاصلاحية، علينا ان نأخذ بعين الاعتبار عددا من الابعاد والمحددات التي ستؤثر على فحوى ونتائج الاصلاح والقبول المجتمعي له. اولها، التأطير الزمني للحراك الاصلاحي، الذي يجب ان يماهي بين ضرورة عدم الابطاء، ولكن بذات الوقت الا نسرع ونعتبر ان السرعة احد مؤشرات النجاح. في عملية احقاق الاصلاح، تعلو قيمة انضاج الفكرة واكسابها القبول المجتمعي والنخبوي على قيمة السرعة، لأن الاخيرة غير مستدامة التأثير بعكس الاولى. ثانيا، التشاركية مهمة ومهمة جدا، وعلى قاعدة قبول كافة الآراء واشراكها بجهد الاصلاح، وهذا يشمل كل تسميات المعارضة والموالاة، وتبايناتنا السياسية والايديولوجية، التي يجب ان تجلس جميعها على طاولة حوار واحدة دون اقصاء، وبغير ذلك فيصبح الحوار والاصلاح مبتورا. آن لنا ان نغادر مربع الغمز المعيب لمؤسسات واجهزة ووزارات انها معيقة للاصلاح، وان نضع هواجسها وقناعاتها ونناقشها ونشتبك معها لأننا من دون ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة. ثالثا، يجب ان نضع نصب اعيننا اولوية قصوى وهي تجذير فكرة التعددية وقبول الاختلاف كقيمة سياسية راسخة، وعلينا ان نكون صادقين مع انفسنا ونعترف ان هذه القيمة ضعيفة جدا في مجتمعنا نخبا وافراد، والعجيب، ان الاقصائية متجذرة عند التيارات الليبرالية وتيار الاسلام السياسي اكثر مما هي موجودة عند اجهزة الدولة الرسمية! رابعا واخيرا، لا بد من الاهتمام الشديد بالاصلاح الاقتصادي وألا ننشغل فقط بأنواع الاصلاح الاخرى على اهميتها. أجزم ان كثيرا من بلائنا الاداري والسياسي سببه الاساس ضيق حالنا الاقتصادي، وان نهضة تلقائية ستحدث اداريا وسياسيا لو تمكنا من انقاذ الاقتصاد، وتقليل البطالة، وتعزيز القوة الشرائية لدى الناس.
هذه ملحوظات اولية من ضمن عديدة يمكن اطلاقها في هذه المرحلة التحضيرية للاصلاح، ولكن الاهم منها جميعا، ان نحاول خلق روحية العمل الايجابي والاشتباك البناء وعلى قاعدة التشاركية والتعددية لا الاقصاء والالغاء، وبصراحة متناهية، فإن التيار السياسي الأعرض وهو الاسلامي، معني تماما باستثمار اللحظة التاريخية، وان يتصرف بعقلانية وحكمة وعمق، وان يغادر مربع التشكيك والاقصاء، وان يحدث التطورات الضرورية المطلوبة على خطابه ونهجه فعلا لا قولا، فإن فعل، فإننا وبكل تأكيد سنكرر تجربة المغرب العربي التي ارادتها الدولة قبل اسلاميينا، ولكن هيهات ان يكون اسلاميونا كإسلاميي المغرب العربي.
(الغد)