الفساد المجتمعي هل هو أبو الفساد الحكومي؟
د. محمد حيدر محيلان
03-06-2021 11:51 AM
هل نحن مجتمع فاسد ونغذي الحكومات بالفساد؟ ام الحكومات هي الفاسدة وتنشر الفساد في المجتمع؟ ......لقد دأبنا نلعن الفساد والمفسدين، ونجرِم الخروج عن القانون والخارجين، في كل صباح ومساء، ولكننا لم نلتفت لأنفسنا، ولم ندقق في احوالنا، واعمالنا وسلوكنا، وعاداتنا وتقاليدنا، ولم نبحث في السيء والفاسد منها وغير القويم، والقابع منا في الصميم، فنحاكمها محاكمة عادلة، ونناقشها مناقشة رزينة وواعية وهادفة، ثم ننظر إن كانت سليمة أو منحرفة، فنعاقبها او نقومها لتستقيم.
ان الضرر الذي یُلحقه الفساد بالمجتمعات والدول كبير ووخيم، فهو آفة تقرض قوام الدولة وتصدع هيكلها، وتقوَّض كافة دعائم التنمية والتطوير فيها، وتعطل نموها السليم واستقرارها، مما يحيلها الى جسد ينخره المرض، متهالكٍ بالٍ مهدد بالوفاة، لا يلبث ان ينهار ويكفن ويدفن، مالم تتلقفه يد حكيم بارع ونطاس خبير واسع، فتنزع الورم والسقم من احشائه، وتجهد لبرئه وشفائه. ان الفساد لا يقتصر على بؤرة او مستنفع بعينه فيجفف، ولا شخص بنفسه فيسجن ويُعفًف، بل يمتد إلى نواح مختلفة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ما الذي یدفع مواطن ما لعرض الرشوة؟ وموظف ما لطلب الرشوة؟ ما الذي يدفع شخص ما لتجاوز القانون، المتمثل في تجاوز الإشارة الضوئية الحمراء، او تجاوز الدور امام المخبز، والتلاعب في عداد المياه والكهرباء؟ من يدفع التاجر ليكون مطففاً، فيخسر الميزان إذا كال أو اكتال؟ او يبدل تاريخ الصنع والإنتاج عن عبوة الغذاء المنتهية؟ ما الذي يدفع الصانع ان يغش في المكونات الأساسية في السلعة؟
ومن طلب اليه ان يقسم اغلظ الايمان ان سلعته أصلية؟ ماذا الذي دفع سائق التكسي ان يلعب في العداد ليكسب اثمان قليلة مستغفلاً اخيه الراكب؟ أسئلة يجب أن نطرحها على أنفسنا قبل أن نجلس نجلد الحكومات والمسؤولين ونحن نحتسي فنجانا من القهوة في مضافة او مجلس لعن ومحاسبة، يعقد جلسات مفتوحة على مدار الساعة يصدر فيها الاحكام والقرارات التعسفية بحق الجميع. هل الحكومات والقيادات في الدولة الا عينة من هذا المجتمع؟! تتبدل وتتغير الأشخاص بينما السلوكيات ثابتة. أليست كثير من الممارسات والسلوكيات المجتمعية والفردية بحاجة لمراجعة وتغيير قبل ان نطالب بتغيير الحكومات ؟! ارجو ان لا يفهم انني ادافع عن فساد الحكومات، ولكنني ابحث عن حل له.
ان التعرض المتكرر للتجاوزات والمفاسد وان قل حجمها وبدت تافهة وصغيرة في نظر مقترفيها من الناس، یُقوي من تأثیر الفساد وعدم نزاھة الفرد والمجتمع ولا یضعفھا.
وأخيرا، ما أنواع التدخلات الجراحية المطلوبة التي یمكن أن تكون أكثر فاعلية في الحد من، أو استئصال أورام الفساد المجتمعي والحكومي، ومن المعني بالتدخل الجراحي، إذا كنا جميعا مرضى؟