الحب كالماء والهواء لا يستطيع الانسان ان يحيا بدونهم جميعا. لذلك سطر التاريخ حكايات وقصص شهيرة للمحبين والعاشقين، وان تنوعت مظاهر الحب للجمال الشكلي والروحي لارتباط هذا الحب بقيم ومعاني سامية كحب البطولة والفروسية والفداء والتضحية وغيرها.
كانت أول قصة حب للالهه عشتار وحبيبها تموز، وهي أسطورة تسجل أول قصة حب مدونة في التاريخ في بلاد الرافدين، عندما وقعت عينا الراعي البسيط دموزي اله الطعام على سيدة الأنوثة والحب والحرب والخصوبة إيناناعشتار فأحبها من أول نظرة، وتقدم لخطبتها، لكنها كانت مغرمة بفلاح يدعى انكي، وأمام اصرار تموز وافقت عشتار زواجه بها، ورغم ما انتابت علاقتهما من مشاجرات بسسب شعور عشتار بعلو نسبها وتعاليها على تموز ولكنهما تزوجا.
ووفقا للأسطورة فقد قتل زوجها تموز، فحزنت عليه وقررت النزول إلى عالم الموتى لترى تموز هناك مضحية بنفسها، فاستاءت الأحوال على الأرض وتوقفت وانقطع النسل، فأرسلت السماء أمرا إلى العالم السفلي بإخلاء سبيل عشتار وعودتها إلى الأرض لتعود الحياة مجددا.
وفي هذه الأسطورة نرى هذا الارتباط الوثيق بين المحبين مثلما يحدث في زماننا المعاصر وأيضا عندما نجد نوازع النفس البشرية وهي تتفاخر بنسبها أو حسبها وسلطانها على حبيبها، ومعاني التضحية والفداء التي تقدمها عشتار بنزولها لعالم الموتى لترى زوجها تموز، نجد روافده بزماننا في وفاء المرأة العاشقة لزوجها وحبيبها بعد وفاته أو حتى فقدانه لأي سبب.
نموذج أخر للحب بين الاصدقاء جسدته ملحمة الملك جلجامش الذي عاش في مدينة أوروك على نهر الفرات، فبعد موت صديقه أنكيدو حامي الحيوانات من الصيادين في الغابة، يصاب جلجامش بحزن شديد على صديقه الحميم ويرفض تصديق حقيقة موته ويأبي دفن جثته أسبوعا كاملا، حتى أخذت الديدان بالخروج منها، فيقوم جلجامش بدفن أنكيدو بنفسه وينطلق شاردا في البرية خارج أورك وقد تخلى عن ثيابه الفاخرة وارتدى جلود الحيوانات.
خاف جلجامش ايضا من الموت، فبدأ رحلته للبحث عن الخلود والحياة الأبدية في شخصية " أوتنابشتم " والذي يعتبره البعض مشابها لشخصية نوح في الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام.
وأثناء بحث جلجامش عن أوتنابشتم يلتقي بإحدى الالهات واسمها سيدوري التي كانت آلهة النبيذ والتي بدورها أعطت مجموعة من النصائح لجلجامش، مفادها ان يستمتع بما تبقى له من الحياة بدل أن يقضيها في البحث عن الخلود وأن عليه أن يشبع بطنه بأحسن المأكولات ويلبس أحسن الثياب ويحاول أن يكون سعيدا بما يملك لكن جلجامش كان مصرا على سعيه في الوصول إلى أوتنابشتم لمعرفة سر الخلود فتقوم سيدوري بإرسال جلجامش إلى الطَوَّافٌ أورشنبي، ليساعده في عبور بحر الأموات ليصل إلى أوتنابشتم الإنسان الوحيد الذي استطاع بلوغ الخلود، ولكن جلجامش يفشل في بلوغ هدفه ويموت.
وبرأيي لو ان جلجامش فطن الى حقيقة الخلود بمعناه الرمزي يكمن في تواصل المحبين والعاشقين وتزاوجهم وامدادهم بالذرية والابناء لما خاض غمار رحلته في بحر الاموات ولادرك حقيقة ان الخلود يكمن في الحب الخالد وان الزهرة اذا جفت فانها تنبت من داخلها زهرة أخرى حبا في الحياة وحبا في الحب نفسه.
فمن فقد صديقه المحبب لقلبه يفتح قلبه على الحياة ليلتقي بصديق حبيب اخر، لان الحياة متجددة وكذلك الحب دائم نجده اذا اخلصنا النوايا.
فدائما نسمع عن قصة الحبيب الذي يطلب محبوبته للزواج بينما أهلها يرفضونه، ولكن اذا اخلصت الفتاة في حبها فإنها ، ستحارب من أجله، اما اذا لم تدافع عن هذا المحبوب وتتمسك به، فان حبها مجرد كذبة.
وكم من قلب عاشق احترق وجدا لأن محبوبته لم تتمسك به ولم تأخذ موقفًا مشرفا امام أهلها للارتباط به.
الحقيقة ان الكثيرين عندما يقعون في شباك الغرام قد يفقدون بعضا من توازنهم العقلي اذا فقدوا محبوباتهم، ويتناسوا حقيقة ان الله يختار لك الافضل دائما، فاذا كانت هذه الفتاة التي تحبها هي نصيبك وهي الافضل فسيجعلها الله تحارب من اجل ان يجمعكما الله معا، فالطيبون للطبيات، واما اذا كانت الفتاة غير مستحقة لشرف الحب والطيبة، فسيبعدها الله عنك ليرزقك بالتي تستحق حبك.
وكما أقول وأردد دائما ان الحب هو الحب الاخير الناضج، وليس الحب الاول الذي هو مجرد تجربة يتعرف فيها الشباب على عالم الجنس الاخر، ويكون عادة مع أول شخص تراه عينك من الجيران او المحيطين بك من الاقارب او حتي زملاء العمل فقد عرفته فقط لهذا القرب المكاني، وليس لأنك اخترته او اختاره قلبك من بين هذا العالم الواسع .
فلتنبض القلوب بالحب، ولكن الحب الناضج والواعي الشريف النظيف ما أمتعه وما أدومه وما أخلده حين يشع في الانسان نوره فيدفع به لتحقيق كل الاحلام والطموحات والنجاحات.