بسطاء الأردن ولبنان هم الذين صنعوا الحدثين..
نحتفي في ال»اللواء« اليوم بمناسبتين قوميتين, لهما بُعْدٌ ديني. تستدعيان منا نحن في الأردن على وجه الخصوص, وفي كل أرض الأمة على وجه العموم المزيد من القراءة والتأمل.
أما المناسبة الأولى, فهي عيد استقلال الأردن, الذي يصادف اليوم 25 أيار. وهو العيد الذي يجب أن يذكرنا بالأسس والأهداف التي قامت عليها ولأجلها الدولة الأردنية الحديثة, بقيادة آل البيت. الذين لبّى عميدهم الحسين بن علي طيب الله ثراه, نداء الأردنيين فأوفد نجله الأمير عبد الله ليواصل الأردنيون بقيادته نضالهم ومقارعتهم للعدو, الذي غدر بالعرب, واغتال حلمهم بإقامة دولتهم الواحدة, التي توحدهم فوق أرضها وتحت علمها الواحد.
إذن فالأساس الأول لقيام الدولة الأردنية الحديثة, هو مقاومة الوجود الاستعماري في المنطقة عموماً. ومقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين على وجه الخصوص. والقارئ لتاريخ الأردن في تلك الحقبة, سيجد بدون كبير عناء, أن الأردنيين حولوا دولتهم منذ لحظة تأسيسها إلى قاعدة للثورة والمقاومة. وإلى نقطة ارتكاز وإمداد لكل الثورات التي اندلعت في سورية وفلسطين. وكان الأردنيون شركاء حقيقيين في كل المعارك والثورات التي انطلقت في بلاد الشام ابتداء من معركة ميسلون, مروراً بثورة سلطان باشا الأطرش وصالح العلي, وما سبقهما وما تلاهما, ومن ثورة البراق وما سبقها وما تلاها في فلسطين وليس سراً أن الأردنيين كانوا هم السباقين للصدام المسلح مع المستعمرات الصهيونية. فوق أرض فلسطين. ومنهم سقط أول شهيد في المواجهة مع الصهاينة. مثلما كانوا هم السباقين للمقاومة السياسية للمشروع الصهيوني, تشهد على ذلك اتفاقية أم قيس التي أبرمت حتى قبل تأسيس الأردنيين لدولتهم الحديثة. وكذلك سائر الاتفاقيات التي أبرمها الأردنيون. كما تشهد على ذلك كل المؤتمرات الوطنية الأردنية التي عقدت في عشرينيات القرن الماضي والتي أكدت على أن الأردن قاعدة عمل عربي مقاوم, خاصة للمشروع الصهيوني. وقاعدة عمل من أجل وحدة الأمة, مع ضرورة العمل المتواصل من أجل تحقيق هذه الوحدة.
ولأن الأردن قام كقاعدة للمقاومة فقد تحول إلى ملاذ لكل الثوار, من سلطان الأطرش, إلى أحمد مريود إلى عيد الصانع وغيرهم من قادة الثورات في بلاد الشام. كما كانت الأرض الأردنية مستودعاً لتجهيزات الثورة والمقاومين سواء في فلسطين أو سورية. وفي دواوين أهله كانت تتم عمليات التعبئة للمقاومة والتخطيط لدعمها مثلما تقام مجالس العراء لشهدائها.
ومثلما أن الدولة الأردنية الحديثة, قامت كقاعدة للمقاومة, فإنها قامت أيضاً كقاعدة للعمل من أجل وحدة الأمة, لذلك اجتمع في الأردن ومنذ اللحظات الأولى لقيام الدولة الأردنية الحديثة, رجالات العرب وقادتهم. وتخلى لهم الأردنيون طوعاً عن الكثير من المناصب القيادية العليا في الدولة الناشئة; حتى ان بعض الحكومات لم يكن فيها إلا وزير أردني واحد. ليس لقلة الكفاءات عند الأردنيين, فقد كان منهم من وصل إلى رتبة لواء في الجيش العثماني وإلى رتب عسكرية متقدمة في هذا الجيش, كذلك كان الكثيرون من الأردنيين يشغلون مناصب مهمة في الجهاز الإداري والمالي العثماني. ومع ذلك فقد فتح الأردنيون لسائر العرب المجال للانخراط في الدولة الأردنية الحديثة, من منطلق الإيمان بأن هذه الدولة, مثلما أنها قاعدة لمقاومة المحتل والغاصب والمستعمر, فإنها كذلك قاعدة للعمل من أجل الوحدة.
إن كل من يقرأ قرار إعلان استقلال المملكة الأردنية الهاشمية لا بد له من أن يتوقف عند عبارة »تحقيقاً للأماني القومية« والبيعة للملك المؤسس باعتباره »وريث النهضة العربية«. ومعلوم أن النهضة قامت كحركة ثورية مقاومة لتحرير العرب وتوحيدهم. ولذلك أقام الأردنيون دولتهم الحديثة التي نحتفل اليوم بذكرى استقلالها, كوريث شرعي لمبادئ النهضة. وأولها المقاومة, وثانيها الوحدة. وهما مبدءان يجب أن نؤكد عليهما ونحن نحتفل بعيد استقلال وطننا, في ذات اليوم الذي يحتفل فيه لبنان الشقيق بالذكرى العاشرة لعيد المقاومة والتحرير. فكلا المناسبتين تجمعهما روابط متينة منها:-
* ان كليهما يواجهان نفس العدو. أعني المشروع الصهيوني, ومن يقف خلفه.
* وكلاهما يذكران باستعداد أبناء الأمة للتضحية والفداء, فبسطاء جنوب لبنان هم الذين صمدوا, وضحّوا وصنعوا الانتصار العظيم في الخامس والعشرين من أيار. وبسطاء الأردن وفقراؤه هم الذين تلقفوا علم الثورة, وواصلوا الجهاد من أجل تحقيق أهدافها. والتحقوا بكل الثورات في فلسطين وسورية وأمدوها بالرجال والمال والسلاح.
* كذلك ساهم بصناعة المناسبتين التفاف الجماهير حول القيادة التي تعبر عن طموح هذه الجماهير, وتطلعاتها. فالقارئ لآليات نشوء الدولة الأردنية الحديثة سيكتشف ان الأردن كان يعج بالقيادات السياسية والعسكرية المتلاحمة بالجماهير, المعبرة عن تطلعاتها, المضحية لتحقيق أمانيها. وهو بالضبط ما توفر للمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان, التي تحتفل اليوم بالذكرى العاشرة لانتصارها, الذي أنهى 22 عاماً من الاحتلال, رغم ان القيمة الحقيقية لانتصار المقاومة الإسلامية لا تكمن في طرد العدو من الأرض فقط. فالقيمة الأكبر هي في كسر هيبة جيش العدو الإسرائيلي. وفي وضع حد حاسم لزمن انتصارات الجيش الإسرائيلي. وهو الحد الذي أسس له الأردنيون في معركة الكرامة, عندما ألحقوا أول هزيمة عسكرية حقيقية بجيش العدو الصهيوني. كذلك فإن قيمة انتصار الخامس والعشرين من أيار 2000 هو في وضع حد للعنجهية الإسرائيلية. فمنذ ذلك التاريخ لم تعد الحروب بالنسبة للجيش الإسرائيلي مجرد نزهة. يقضيها جنوده بالقتل والتدمير والاغتصاب. بل صار هو الذي يُقتل ويُجرح ويفِر. وصار على الإسرائيليين ان يقضوا أيامَهم ولياليَهم مختبئين في الملاجئ.
إن الدروس والعبر المستقاة من الخامس والعشرين من أيار, أكثر من أن تُحصى. من بينها خطورة الدوْر الذي يمكن أن يلعبه العملاء والمنافقون والمشككون بتثبيط هِمَم أبناء الوطن من جهة, وتخذيلهم من جهة ثانية وزرع الفتن في صفوفهم من جهة ثالثة وهذا ما نلمسه اليوم في الحياة السياسية على وجه الخصوص, والحياة العامة على وجه العموم في كل من الأردن ولبنان, بالإضافة إلى دوْر هؤلاء العملاء في خدمة العدو الذي لا يأبه في النهاية بهؤلاء العملاء, فيلقي بهم في براميل النفايات. كما حدث مع عملاء جيش جنوب لبنان. أو أنه يتركهم يعلقون على أعواد المشانق كما حدث أكثر من مرة في الأردن.
غير أن ما هو أهم من ذلك كله, أن 25 أيار يجب أن يذكرنا بحقيقة كبرى, لا يجوز أن لا تغيب عن بالنا. وهي أن الصانع الحقيقي للانتصارات الحاسمة والتحولات الكبرى. هو القاعدة الأخلاقية والقيمية, التي ينطلق منها العاملون من أجل الأهداف الكبرى. ونظن أن هذه القاعدة هي التي صنعت المجاهد الذي حقق الانتصار في جنوب لبنان. وحكمت الذين صنعوا استقلال الأردن. وكلاهما التحرير والاستقلال خطوة على طريق طويل من أجل التحرير الكامل والاستقلال الناجز للأمة الواحدة الموحدة.
عن اللواء والدستور.