كورونا ليس أزمة صحية ولكنه أزمة فساد
د. محمد حيدر محيلان
02-06-2021 10:43 AM
في قراءة لمؤشر مدركات الفساد الاخير الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية أن الفساد المستشري يقوّض أنظمة الرعاية الصحية ويؤدي إلى التراجع الديمقراطي وسط تفشي جائحة كوفيد-19. وان البلدان ذات الأداء الجيد والفساد الأقل على المؤشر، تضخ أموال واستثمارات أكبر في الرعاية الصحية لمواطنيها، وتكون أكثر قدرة على توفير تغطية صحية شاملة، وأقل عرضة لانتهاك القواعد والمؤسسات الديمقراطية أو سيادة القانون.
ونتفق مع ما قالته ديليا فيريرا روبيو، رئيسة منظمة الشفافية الدولية: "إن كوفيد-19 ليس مجرد أزمة صحية واقتصادية، ولكنه أزمة فساد. وهو أمر تفشل كثير من الدول حالياً في إدارته. لقد اثبتت التجربة العام الماضي ان الحكومات التي تتسم بمستويات أعلى من الفساد هي أقل قدرة على مواجهة التحدي. بالمقابل اظهر التقرير تحسن درجات بعض الدول بشكل كبير على المؤشر، وتراجع بعضها بشكل ملحوظ. وثبات ما يقارب نصف البلدان على المؤشر منذ نحو عقد من الزمن، ومنها الأردن ثابتة على (48-49) مما يشير إلى تعثر جهود حكوماتها في معالجة الأسباب الجذرية للفساد. في حين أكثر من ثلثي الدول حصلت على أقل من 50 درجة (راسب) والتي منها الأردن ايضا.
يهدد الفساد حياة المواطنين وسبل عيشهم تهديداً خطيراً، لا سيما عندما يقترن بحالة مرضية كجائحة كورونا وإعلان حالة طوارئ صحية عامة. وكما حصل في كثير من الدول التي أعلنت حالة الطوارئ القصوى وأغلقت جميع مرافقها وعطلت اقتصادها ودمرت مؤسساتها وافقرت مواطنيها حتى أصبحت الأكثرية توجه وتصارع الموت جوعا وفقرا وليس مرضا. ولم يخلو الامر من شبهات فساد رافقت جميع القرارات والإجراءات حتى أصبح المواطن ينوء تحت المذليًن والقاهرين الفقر والمرض.
بالمقابل احسنت بعض الدول الأقل فسادا وأكثر نزاهة إدارة وضبط انتشار مرض كورونا واستثمرت أموالها في الرعاية الصحية لمواطنيها وامتلكت نظاما صحيا ورقابيا اقوى، الذي ساعد في التغلب والسيطرة على المرض، ومثال ذلك لا نقول (الدول الاسكندفانية) ولكن الأقل مرتبة نزاهة مثل الأوروغواي.
ومما يبعث على الأسى، فعلاوة على تفشى الفساد الإداري والمالي في هذه الدول (الأكثر فسادا على المؤشر) تقوم بجمع الأموال والتبرعات الداخلية والخارجية بدعوى صرفها على مكافحة مرض كورونا وتبعاته وفي الواقع لا يتم ذلك، وانما تتاجر وتستثمر بالإمدادات الطبية واللقاحات والتي كانت تقدم مساعدات من الدول المانحة للمواطنين، والأكثر ايلاما هو ان تقوم الدول ذات المستوى الأعلى فسادا، بالمتاجرة في المرض والاستثمار به على حساب صحة أبنائها وحياتهم.
حتى في الدول التي حصلت على أعلى الدرجات النزاهة، اظهر التقرير ظهور تحديات واعاقات النزاهة، ما يثبت أنه لا يوجد بلد خالٍ من الفساد. وللحد من الفساد والاستجابة بشكل أفضل للأزمات المستقبلية، أوصى التقرير جميع الحكومات بتعزيز قوة المؤسسات الرقابية من أجل ضمان وصول الموارد لأولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها. وأكد على تمكين سلطات مكافحة الفساد والمؤسسات الرقابية من الأموال والموارد والاستقلالية التي تمكّنها من أداء واجباتها. واوجب ضمان وجود معاملات تعاقد مفتوحة وشفافة لمكافحة ارتكاب المخالفات، وتحديد تضارب المصالح، وضمان التسعير العادل. ثم أوصى التقرير الدول بالدفاع عن الديمقراطية وتعزيز الفضاء المدني لخلق الظروف المواتية لمساءلة الحكومات. وأكد على ضمان حرية الوصول إلى المعلومات، ونشر البيانات ذات الصلة، وذلك لضمان الشفافية في حصول الجمهور على معلومات سهلة ومفيدة، وفي الوقت المناسب.