التعليم الوجاهي هو الأمثل .. ولكن هل تجاوزنا الأزمة؟
د. زيد أبو زيد
02-06-2021 10:42 AM
كوفيد 19 كان عنوانًا بارزًا ومؤثرًا رئيسًا على كل مظاهر الحياة في العامين الأخيرين منذ ظهوره لأول مرة في مدينة ووهان الصينية نهاية العام 2019، ومنذ تلك الواقعة تغير العالم، ودخلت مفاهيم وأدوات جديدة إلى تفاصيل حياتنا اليومية بإرادتنا وبغير إرادتنا، وكان للتعليم نصيب وافر منها، وهنا، لا نقول إن مفاهيم كالتعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد جديدة تمامًا وبديلة عن غيرها، فهذا شأن آخر، ولكن العالم وأنظمته التربوية دخل هذا المجال منذ سنوات، وباتت المدارس الرقمية وبنوك المعرفة وغيرها من المفاهيم جزءًا من أدوات التعلم في كثير من دول العالم ولكنها زمن جائحة كوفيد 2019 أصبحت موقع اهتمام الجميع، لأننا ببساطة أصبحنا أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن نتوقف عن عملية التعليم أو نأخذ بما أخذ به غيرنا من دول العالم.
لقد كان خيار الانقطاع عن التعليم الوجاهي في معظم دول العالم واقعًا اجباريًا حماية للمجتمع، وتغليبًا لخيار الصحة أولًا، وفي تطبيق خيار التعليم عن بعد اجتهدت دول العالم حفاظًا على حق الطلبة في الحصول على التعليم، ولكن التعليم عن بعد ولفترة طويلة تسبب في فجوات تعليمية وضياع مفاهيم حرجة في علوم أساسية، وفاقد تعليمي مهم إلى جانب تأثيراته النفسية والاجتماعية، ولكنها مخاطر تستطيع الأنظمة التعليمية التعامل معها لاحقًا بعد الأخذ بمعطيات تطور الحالة الوبائية في كل قطر، وهنا فقد قررت وزارة التربية والتعليم الأردنية عودة التعليم الوجاهي وبشكل كامل مطلع العام الدراسي الجديد متنبهة إلى أي طارئ يمكن أن يحدث وبائيًّا؛ فأخذت بأسباب التطوير والتأهيل لمنظومة التعلم الإلكتروني، وفي تصريحات لوزير التربية والتعليم الأستاذ الدكتور محمد أبو قديس أكد أن العديد من اللجان في وزارة التربية والتعليم تعمل على استكمال التجهيزات لبدء العام الدراسي المقبل وجاهيًّا، وفق عدة مؤشرات كالتأكد من جاهزية المدارس لاستقبال الطلبة، والصيانة اللازمة للمدارس عبر فرق هندسية، والعمل على تجهيز الكتب المدرسية من خلال إدارة المناهج ضمن خطة معدة مسبقًا لتحديد جداول زمنية ثابتة، فضلاً عن البرامج التدريبية للمعلمين، ولا سيما في ما يتعلق بالمناهج المطورة وأساليب التعليم خلال المرحلة المقبلة، وهي تؤكد النية الجدية للوزارة للعودة إلى التعليم الوجاهي الكامل.
ولكن هذه العودة أيضًا ستكون - وفق تصريحات الوزير أبو قديس- عبر التزام المواطنين بإجراءات السلامة العامة، واستكمال عملية تطعيم المعلمين والمواطنين؛ فانقطاع التعليم كان على وقع ظروف استثنائية أملتها جائحة كورونا قصرًا على المجتمع الأردني، وخيارات العودة ستأخذ خيارات عديدة ضمن سيناريوهات المقاربة بين المستوى البياني لحالات الإصابة، واستمرار التعليم بكل صوره، ولذلك انطلقت وزارة التربية والتعليم في عملها حثيثًا لإنجاز منظومة تعليمية تعتمد نوعي التعليم الوجاهي وعن بعد مع الأخذ بعين الاعتبار منجزات الثورة الرابعة التكنولوجية لتقدم لطلبتها ومعلميها بعدًا تعليميًا يتوافق والظروف التي نعيشها مغلبة في كل السيناريوهات التعليم الوجاهي على غيره، وواضعة كل منصاتها بين يدي الطلبة آخذة بالتحديث والتطوير.
وفي قضايا التربية والتعليم فإنَّ الإعلام والمجتمع شريكان في تنشئة الإنسان ووعيه، وإذا كانت التجربة التي اضطرتنا إليها جائحة وباء عالمي لا تزال تُقيَّم وتُطوَّر وتُحدَّث من جوانبها الفنية والإدارية، فأنها قدمت فرصة أيضًا لمراجعة نظامنا التربوي كي يتكيف مع العصر، وأعطت فرصة للوزارة للمزاوجة بين التعليم الوجاهي وعن بعد، وبين التعليم التقليدي والإلكتروني، ولا بد لأولياء أمور الطلبة والخبراء من توعية الطلبة إلى أهمية التفاعل المدرسي بعد الانقطاع الطويل وتكريس مفاهيم الانضباط الطلابي في نفوسهم في تفاعلهم مع أقرانهم، وما إلى ذلك من انتظام في الحضور وتفاعل داخل غرفة الصف، وكذلك الجهد المشترك بين المدرسة والأسرة في عمليات التعليم من خلال المنصات.
جائحة وباء كورونا أوقفت التعليم في كثير من الدول بشكل تام، وكان الأردن من الدول التي اتخذت قرارها بالعمل واستمرار التعليم بأشكال وطرائق ووسائل متعددة مهما كانت الظروف؛ لأنها باختصار ذات رسالة ورؤية وقيم سامية، ولا تقبل بحرمان طلبتنا من حقهم الدستوري في التعليم، و سياسة وزارة التربية والتعليم منذ تأسيسها تقوم على بناء الإنسان القادر على إحداث تغيير إيجابي في مجتمعه، والارتقاء بوطنه بوصفه ثروة الوطن وعنوان مجده وتقدمه، وعلى مدار العقود الأولى حققت الوزارة نهضة استشرفت فيها المستقبل في كل مجالات عملها بعناوين التطوير والتحديث لبناء الإنسان طالبًا ومعلمًا، وطوّرت أنظمتها التعليمية بمرونة تسمح بتنوع طرائق التدريس ووسائله، ومع دخول عصر التعليم الرقمي كيفت مناهجها ووسائلها بما يمكنها من مواكبة العالم المتقدم في تجربة نوعية حية تتطور رويدًا رويدًا.
وفي خضمّ تحديات الوطن فإن الشعب وقائده الحكيم جلالة الملك عبدالله الثاني سيرسمون معالم المستقبل، ويحققون بناء الدولة ويبثون فيها روح الابتكار والعزم والتجديد في مئويتها الثانية، وإننا على ثقة مطلقة بوعي المواطن الأردني ونضجه لأجل تجاوز كل آثار الجائحة على التعليم وغيره.