الأردن وفلسطين شعب واحد لا شعبين
احمد عبدالفتاح ابو هزيم
01-06-2021 09:35 PM
تدفُق حمم بركان المشاعر الوطنية لدى الشعب الاردني بكل مكوناته الاجتماعية، من جميع المدن والقرى والبوادي والمخيمات، تجاه شقيقه التوأم الفلسطيني القابض على جمر التحرر من النهر الى البحر، ضد قوى الظلام، والاستبداد، والفصل العنصري المتمثل بالكيان الصهيوني المدعوم من أعداء الأمتين العربية، والإسلامية لم يكن الأول ولن يكون الأخير ولم يكن استثناء عبر المائة عام الماضية، ولكن سرعة تناقل الأخبار والأحداث من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، التي لم تكن موجودة في الماضي البعيد، ولم تكن بهذا التطور قبل بضع سنوات قامت بهذه المهمة النبيلة على أكمل وجه، وأظهرت الجانب المشرق من هذه العلاقة الأخوية المتميزة والمتفردة على مستوى العالم، وانصفت تلك الكاريزما والجينات المتوارثة لتوأم سيامي فشلت كل محاولات فصلهما. ولم يعد هناك مجال للإعلام الموجه على طريقة البروباغندا في التأثير على تشكيل رأي عام معاكس، لأن كل مواطن أصبح عبر هاتفه الجوال مؤسسة إعلامية متنقلة يُنتج ، ويُعد، ويُصور، ويُخرج، ويبث بطرفة عين بلا رقابة تُكمم الأفواه وتحرف الحقيقة.
لفهم سر كيمياء الانحياز العاطفي، والفزعة التلقائية المبنية على الفطرة عدا عن الوازع الديني والعروبي ، علينا أن ندرك أن نهر الاردن على امتداد جريانه وإنسيابية رمال وادي عربة الممتدة حتى مياه خليج العقبة، لم يقويا على أن يكونا حاجزاً طبيعي يمنع السكان من الحضر والريف والبادية قبل سايكس بيكو من التحرك والتنقل شرقاً وغرباً حسب مقتضيات ظروف حياتهم اليومية، والموسمية للعمل أو الإقامة، والسكن بشكل مؤقت أو دائم، ومن الطبيعي أن تجد نفس القبائل والعشائر والعائلات تسكن على ضفتي نهر الأردن تربطهما أواصر القربى، والمصاهرة، والعادات، والتقاليد، واللهجات، والتاريخ المُشترك، والمصير الواحد.
ومن النادر أن يجد الباحث فروق تُذكر في أُصول وعادات وتقاليد أهل جنوب الأردن عن أُصول وعادات وتقاليد أهل جنوب فلسطين، وكذلك الوسط، والشمال لأن الإنتقال لأي سبب شرق أو غرب كان على الأغلب أفقي على جانبي نهر الأردن. وعلى مر العصور كانت التقسيمات الإدارية للدول، والامبرطوريات المهيمنة على المنطقة تذهب في هذا الإتجاه، وتحمل أسماء المدن من كلا الضفتين، حيث لم تكن فلسطين والأردن بحدودهما الحالية. ويكفينا أن نُدلل على أنه في العام 1868 خلال الحكم العثماني كانت جميع المدن شرقي النهر وما حولها تتبع لواء البلقاء ومركزه مدينة نابلس غربي النهر.
بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء، وتقاسم المنطقة العربية شرق المتوسط بين بريطانيا، وفرنسا، ضمن إتفاقية سايكس بيكو، وما تلاها من صدور قرار لوزير الخارجية البريطاني اللورد جيمس بلفور بوعده المشؤوم في العام 1917. القاضي بموجبه منح فلسطين على ضفتي النهر كوطن قومي لليهود. استشعر أهل شرق الأردن الخطر الذي يحيق بهم واخوانهم غربي النهر فقاموا بتنظيم المسيرات، والإعتصامات واصدروا البيانات الرافضة والمنددة 'بوعد من لا يملك لمن لا يستحق ' . الأمر الذي استدعى معه أيضاً عقد عدة مؤتمرات لتوحيد المواقف ورص الصفوف، ومناقشة مُجمل المخاطر التي تهدد وجودهم ، وكيفية التعامل معها وكان من أبرز قراراتهم المواجهة المسلحة مع قطعان المستوطنين، وحكومة الانتداب البريطاني، ودعم الأشقاء غرب النهر بالمال، والسلاح، والرجال، وعدم بيع الأراضي للوكالة اليهودية، ومطالبة حكومة الانتداب بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
بدأت المقاومة المسلحة للمشروع الصهيوني من قبل القبائل، والعشائر، وعموم أهل شرق الأردن بناءً على قرار من مؤتمر عُقد في"قرية قم" لزعامات ومشايخ لواء عجلون. وكانت أولى ساحات المواجهة في حينه مناطق بيسان، وسمخ، وطبريا حيث استُشهد الشيخ كايد المفلح العبيدات، وعدد من رفاقه الثوار في معركة تل الثعالب شمال فلسطين بتاريخ 20 نيسان 1920. في ملحمة بطولية ضد المستوطنين اليهود المدعومين بدبابات ، وطائرات، ومدفعية القوات البريطانية.
بعد قدوم الأمير عبدالله إلى شرق الأردن، وقيام الدولة الأردنية لم تتغير او تتبدل أدوات وأساليب اهل شرق الأردن في دعم النضال الفلسطيني، ولم تخفت جذوة الإصرار والعزيمة بمشاركتهم مقاومة المستوطنين، وحكومة الانتداب لحظة واحدة، وبكل الإمكانيات المتاحة كدعمهم بالمال، والسلاح، وإيواء المطلوبين منهم لسلطات الانتداب، ومُداواة الجرحى، والمشاركة معهم في معظم الانتفاضات والثورات غربي النهر كتفاً بكتف متطوعين ضمن مجموعات مناطقية، أو عشائرية، مسنودين بحركة قومية جارفة شرقي النهر حاضنتُها المدارس والمنتديات والدواوين وذاكرة شعبية تُمجد البطولة والثوار والشهداء على ثراء فلسطين الطهور .
لا أحد يستطيع أن يُنكر الدور الكبير الذي قام به الجيش الأردني، والذي تُشكل القبائل والعشائر عاموده الفقري في الدفاع عن عروبة فلسطين والأردن حيث كانت مدنه وقراه وبواديه تتعرض لقصف يومي من العدو الصهيوني. وقد شاركت القوات المسلحة الاردنية في كافة الحروب التي خاضتها الجيوش العربية ضد الكيان الصهيوني بدءاً من حرب 48 ولغاية حرب 73 من القرن الماضي، وكُتب التاريخ العسكري تروي البطولات التي سطرها القادة والجنود في اللطرون، وباب الواد، وتل الرادار ، وواد التفاح، والمكبر ، والشيخ جراح، والعشرات من المعارك على أسوار القدس وكامل التُراب الفلسطيني التي ما زالت تُذكر جيلاً بعد جيل، والتي كان لها أيضاً الأثر الحاسم في الحفاظ على القدس الشرقية بجميع مقدساتها الإسلامية والمسيحية وكافة مناطق الضفة الغربية بما يعرف حالياً بحدود الرابع من حزيران عام 67.
قدم أهل شرق الأردن آلاف الشهداء والجرحى الذين رووا بدمائهم الزكية أرض الإسراء والمعراج، وقلّما تجد مدينة أو قرية فلسطينية لا تزدان بشواهد قبورهم المباركة، وقلّما أيضا تجد مدينة او قرية اردنية لم يحضَ عدد من أبنائها بشرف الشهادة والقتال في سبيل الله والوطن .
وعندما أُجّبِرَ الشعب الفلسطيني على الإغتراب عن بيوتهم بفعل النكبة والنكسة كانت بيوت أشقائهم شرق النهر هي الملاذ الآمن والحضن الدافئ.
المواقف القومية والتاريخية للأردنيين تجاه شقيقهم التوائم الفلسطيني، واجب أملته عليهم روابط الدم والمصير المشترك، وعمدته رائحة الشهادة والبارود، وكُتبت شواهده وحكاياته وأفعاله في سفر الكرامة والخلود، فطوبى للصابرين الصامدين المرابطين على كامل ارض فلسطين من النهر الى البحر، وطوبى للمرابطين على أرض الحشد والرباط، والمجد والخلود لأرواح الشهداء، وسلامٌ على شعبين يعيشان في جسدٍ واحد ويتنفسان من رئةٍ واحدة، وقلبهما ينبض بالوحدة .
حمى الله الأردن واحة أمن واستقرار وعلى أرضه ما يستحق الحياه .