في هذا الوطن لا يمكن أن نضع معادلة موزونة بين ما ننادي به من شعارات المدنية والقانون والعدالة، بل وتتعداها نحو المواطنة الصالحة، وبين ممارساتنا في الواقع التي تحكمها لغة العشائرية (والتي تسمو على كل اللغات مكانة وكرامة)، ولكن الشواهد الأخيرة في شارعنا الأردني أصدق وأدل إدانة لها بأنها وظِفت في غير موقعها، ليتدارى بها الفاسد، والخارج عن القانون، والمعارض وغيرهم، فباسم العشيرة يخاطبون الأمن والنظام والمؤسسات، وتحت جناحها يهدرون بالتهديد وخطاب القوة، إلى أن وقعت العشيرة "الأسمى" مدانة في قبضة متاجرين بها مستعرضين، ممثلين، أصحاب غايات أو ربما لايملكون من الأمر شيء سوى البحث عن شهرة سريعة على حساب الوطن وبغطاء العشيرة وغضبتها، وهنا نحن لا نتحدث حول قضية بعينها أو شخص في موقعه.
وبين هذا وذاك لابد وأن نؤكد أن ما يجمعنا من قواسم تفوقنا قدرا ومكانة، يجمعنا "الأردن"، وأمام عظمة ومهابة الوطن لابد وان نسقط أجنداتنا وأهدافنا وأن تتضاءل طموحاتنا الفردية، نحو وطن كلٍ متكامل متماسك، لا صوت فيه يعلو صوت العدل والحق.
منذ حادثة الفتنة وإلى يومنا هذا لا يمكن لا أن نستشعر بعودة الظرف العام في الشارع الأردني الى حالته الطبيعية الأولى، فشعور الاحتقان يتعاظم، والحنق والسخط يتراكم، وأمام واقع من المر، علينا أن نضع خطوط حمر لا يمكن تجاوزها، فكلنا أردنيون بالفطرة والانتماء والولاء للوطن وقيادته، كلنا سواء بإنسانيتنا وفي عدالة القانون، فلا يمكن لأحد أن يصرف في التخوين والتشكيك، أو حتى أن يبتذل وينتقص كرامة الأخرين، وجميع ما سلف يبقى صلدًا صامتًا أمام مهابة وهيبة هذا الوطن وأمنه واستقراره.
من هنا لابد وأن يكون لنا عقل جمعي نتحدث به، نخاطب به منطق العقول لا نستدرج العواطف أو نستدر التضامن، لابد وأن نتفق علينا جميعا مواطنين ومسؤولين وفي مواقع القرار أن نعي حجم المسؤولية وخطر الواقع، فالشعب يأن من ويلات الفقر والبطالة، وفوقها خروقات القانون، لايمكن أن نقبل أن نعيش تجربة دول الجوار بالتصدع الاجتماعي وغياب الأمن.
علينا ومن مواقعنا، أبناء مدن وعشائر وطوائف، أبناء الوطن أن نتكاتف لنتصدى لكل من يزج بنا في أتون الفرقة والفوضى، علينا أن نحاسب المخطيء منا ونقوم طريقه، علينا أن نسمو بعشائرنا ومهابتها فوق بعض الفئات التي استغلت هذا الفهم لتحتمي وتحمي كبواتها، الوطن أكبر منا جميعًا، لذلك لابد وأن نؤيد تعزيز القبضة الأمنية في موقعها وفي وجه من يتعدى على أمننا وعشائرنا ومؤسساتنا، على العشيرة بشموخها وسموها أن تتبرأ من الفاسد لان فساده يمثله منفردًا، عليها أن لاتنتصر لمن يراهن على قلب موازيين الحق، علينا أن نقف فقط مع الوطن، فالمشاهد الأخيرة في ساحتنا مؤلمة.