كتبت هذه المقالة لسببين «أولهما»: بينما كنت اتلو ما تيّسر من القرآن الكريم بشهر رمضان وعند وصولي لسورة «يوسف» تذكرت رواية «انا يوسف» لأيمن العتوم القابعة على الرفّ منذ فترة دون ان يتسنّى لي الوقت لقراءتها..
بالمناسبة وللعلم بالشيء اقتبس الكاتب عنوانها من النص القرآني (أنا يوسف وهذا أخي)..
و«ثانيهما»: خواطر أعجبتني للكاتب أدهم الشرقاوي دوّنها على هامش الرواية بعنوان «شكرا لسيدنا يوسف» اخترت منها في هذه العجالة: «من قصتِك تعلمتُ ان بعض الناس يكرهوننا لمزايانا وليس لعيوبنا فقد كرهوك لانك جميل وطيّب ولا تشبههم والناس لا يريدون من يذكّرهم بنقصهم.. تعلمتُ ان التمييز بين الإخوة يثير الغيرة والحسد وأن الله يهب العلم على قدر التقوى.. وان العالَم لا يجبرني على فعل ما لا أريد ان افعله «كما في مراودة إمرأة العزيز ليوسف»..وتعلمتُ ان الفساد من سوء الإدارة لا قلة الموارد وان الحسد وراء كل شر وان المعدن ال?صيل لا تغيرّه السجون ولا القصور.. وحلاوة الإيمان تغلب مرارة الحياة وان النبيل يتجاهل فالمتغابي سيّد قومه..الخ"
ظاهريا لا يوجد جديد في الكتاب بصفحاته ال 350.. فسورة يوسف تصف عبر «دزينة» من الصفحات طفولة يوسف وغدر إخوته به لغيرتهم منه بسبب جماله المميّز وحبّ ابيه له علاوة على رؤياه بالمنام كأن احد عشر كوكبا والشمس والقمرخرّوا له ساجدين، وكلنا نعرف كيف تم انقاذه من قِبَل قافلة سيّارة من البئر وبيْعه لعزيز مصر وتسلمه مفاتيح خزائنها ومراودة زليخة زوجة العزيز له وحبسه بالسجن.. الخ..
فالبداية والنهاية والحبكة والعقدة والأحداث والأبطال تتطابق مع النّص القراني
إلا ان الروائي يمزج بمهارة بين الحقيقة والخيال مسدلا وصفا يتضمن أحاسيس ومشاعر وعواطف وحوارات وتفاصيل إبداعية لا نجدها بالنّص الديني او التاريخي متناولا اياها بطريقة فنية ادبية دون ان يخرج عن النّص القراني للقصة معتمدا على مراجع مثل القرطبي والزمخشري وابن كثيّر والطبري..
فالرواية تجعلنا نتماهى مع الشخصيات ونجد من يشبهنا فيها.. ولهذا ترى القرّاء يذهبون للنّص الروائي مفضلينه على التاريخي لحيويته بسبب التعمق بالتفاصيل كوصفه كيف قضى الطفل يوسف لياليه الباردة في برودة البئر وعتمته بمفرده متناولا حوارات داخلية هبطت عليه كوحي تؤنس عليه وحدته.. علاوة على تفاعل القارئ مع حزن سيدنا يعقوب على ابنه يوسف..
الجديد بالرواية هو تجيير الكاتب لرمزية الذئاب من البداية للنهاية فنستمع للذئب القائد كيف يعظ قطيع الذئاب وكأنه يعلّم البشر.. محذّرا من مغبة الغدر بقوله: هنالك من البشر أضرى من الوحوش فالذئب لا يغدر بالذئب و لكن الإنسان يغدر بالإنسان خاتما: اياكم والحسد/.. بخاصة أن الإنسان المميّز يغارون منه ويكرهونه لمزاياه وليس لعيوبه لأنه يثير عندهم عقدة النقص الموجودة لديهم
خاتما ب» إياكم وكثرة السؤال»..
فعلا فسورة يوسف يمكن ان تتفرع الى آلاف مؤلفة من الصفحات لما فيها من حِكم ومواعظ.. ولكن هل سنتعظ؟
وكيف نتعظ بعصر تبعثر فيه قطبا الأخذ والعطاء ليختلط علينا مفهوما الحق والباطل!
(الرأي)