ليس من السهل تصور نقابة المحررين اللبنانيين بلا ملحم كرم بعد نصف قرن, وهي المدة التي شغل فيها منصب نقيب المحررين محققا بذلك رقما قياسيا لم ولن يتكرر في تاريخ مهنة المتاعب... حيث غيب لقبه المهني اسمه فناداه الصحافيون بلقب »النقيب«...
لقد رحل نقيب المحررين اللبنانيين ملحم كرم فجأة فأصيب الزملاء في بيروت بالصدمة والذهول, فهم لم يتصوروا يوماً مكتبه في النقابة خاليا منه ومن صوته وضجيجه وفصاحة لسانه وحركته التي لا تهدأ, بعدما ناضل عقودا طوالا دفاعا عن حرية التعبير ودفاعا عن حقوق المحررين من أجل تحسين اوضاعهم في حياة كريمة وحمايتهم من كل اشكال الضغوط..
عرفته عن قرب وزاملته مدة 13 عاما في بيروت.. كان فارسا ومقاتلا عصيا على التدجين, اتذكره الآن فاراه على حقيقته بعد رحيله, فأذكر تلك المعركة القاسية التي خاضها ضد مرشح السلطة الذي كان مدعوما من اصحاب الصحف في منتصف الستينيات فقاوم التزوير بشراسة حتى انه احتضن صندوق الاقتراع وغطاه بجسده عندما حاولت السلطة التدخل وقال لهم: "على جثتي". فحمله رجال الأمن مع الصندوق الى مركز فرز الاصوات, فنجح نقيباً بدعم من زملائه الذين افشلوا مشروع النقيب الرسمي.
طوال وجوده في موقع النقيب كان الزميل الراحل حاميا لحقوق المحررين, ولا اقول الصحافيين, لأن في لبنان نقابة الصحافة وهي لأصحاب الصحف, ونقابة المحررين للعاملين في مهنة الصحافة, وقد نجح ملحم كرم في انتزاع حقوق المحررين كاملة من اصحاب الصحف ومن المؤسسات الرسمية, لأنه ارادها مهنة متطورة تجعل من لبنان منارة الصحافة العربية...
وملحم كرم ليس طارئا على المهنة فهو ابن الكاتب الاديب كرم ملحم كرم الذي كان من رواد الحركة الصحافية والادبية والثقافية في لبنان وهو صاحب العبارة الحكيمة حين قال: "علمتني الحقيقة ان أكرهها فما استطعت" وهي الحكمة التي حولها ملحم كرم الى شعار تعرج به مجموعة المطبوعات التي تصدر بلغات عدة عن مؤسسته...
آمن ملحم كرم بأن الصحافي الحقيقي لا يتقاعد ولا ينسحب من المهنة, وان الكاتب لا يتوقف عن العطاء ولا يجف قلمه الا حين يتوقف قلبه عن النبض.. وهكذا عاش حتى لحظة الرحيل...
ولكن الزملاء في لبنان سيذكرونه دائماً لأنه عمل وانجز الكثير وحقق لهم مكاسب كثيرة وكبيرة اذكر منها القليل: معالجة المحررين في مستشفيات الدرجة الاولى, وتأمين على الحياة لمنتسبي النقابة, ورفع ضريبة الدخل عن دخل المحررين, وحسم 50 بالمئة من فاتورة الهاتف, والغاء رسوم المسقفات عن بيوت المحررين, ومنح اعضاء النقابة ملصقات من الامن العام تسمح لهم بالوقوف في الاماكن الممنوعة لاداء واجبهم المهني وتسهيل مهماتهم...
الحقيقة ان الراحل ليس فقيد الصحافة اللبنانية فحسب بل هو فقيد الصحافة العربية, لأنه يشكل ظاهرة لا تتكرر... له الرحمة...
Kawash.m@gmail.com
العرب اليوم.