الإستيطان الإسرائيلي في ميزان الشرعية الدولية
د. مهند صالح الطراونة
30-05-2021 10:55 PM
في وقفتنا الثانية من بيان المركز القانوني لمدينة القدس سوف نشير في هذه العجالة الى بعض الانتهاكات الصارخة للكيان الإسرائيلي والتي انتهك فيها كل قواعد القانون الدوليو الاتفاقيات الدولية ضاربا بعين الحائط الشرعية الدولية ولعل من ابرز الأمثلة التي يمكن ان تساق على ذلك ملف الاستيطان هذا الملف الذي كان مثل السوس الذي ينخر في الأراضي الفلسطينية وكان سبب في احتلالها وسيطرتها على معظم أراضي القدس الشريف.
ولعل من حسن الطالع هنا ان نشير ان الكيان الإسرائيلي قد تمكن خلال العقدين السابقين من احتلال الجزء الغربي من القدس ، الامر الذي أدى إلى مضاعفة عدد السكان , وان المتتبع لاعداد المستطونيين الاسرائليين يجد انه في بدء (100) الف نسمة عام 1948 ليصل الى (196) الف نسمة عيشت حرب يونيو 1967، وفي هذا الخصوص، يلزم التذكير انه حين انتهت الحرب العربية الاسرائيلية الاولى عام 1948، تمكنت القوات الاسرائيلية من تحقيق نصف الحلم الصهيوني باحتلالها 66,2% من المساحة الكلية من مدينة القدس، وقد اكتمل الحلم مع حرب يونيو 1967؛ حيث تمكنت اسرائيل من احكام قبضتها على الجزء المتبقي من المدينة، ووافق الكنيست على قرار الحكومة بتاريخ 27 يونيو 1967 على توحيد القسمين.
ومنذ أن قامت اسرائيل باحتلال مدينة القدس عام 1967 م، وهي تعمل جاهدة للسيطرة عليها وتغيير معالمها بهدف تهويدها وانهاء الوجود العربي فيها.
وسائل الكيان الإسرائيلي في الاستطان
لقد استخدم الكيان الإسرائيلي الكثير من الوسائل وقامم بالعديد من الاجراءات ضد مدينة القدس وسكانها، حيث كان كان الاستيطان في المدينة وفي الاراضي التابعة لها أحد اهم الوسائل لتحقيق هدف اسرائيل الاساسي تجاه مدينة القدس، وقد سارت عملية استيطان القدس الشرقيةمن خلال وسيلتين :
الأولى : استيطان القدس القديمة ( داخل السور) والتي تتألف من اربعة احياء عربية (الشرف، الباشورة، المغاربة، باب السلسلة) وذلك من خلال هدم المنازل العربية، واسكان (600) عائلة يهودية يتراوح افرادها ما بين 3500 الى 5000 نسمة كبديل للستة الاف عربي الذين يسكنوها بغرض انشاء الحي اليهودي وهو الذي يمثل الان اكثر من 20% من مساحة القدس القديمة، ويشمل هذا الاستيطان الحديقة الوطنية المحيطة بسور القدس من الشرق والجنوب، كما يضم المركز التجاري الرئيسي والذي يهدف الى وصل القدس الشرقية بالقسم الغربي منها.
الثانية : الاستيطان ضمن حدود البلدية (خارج السور) من خلال اقامة حزام من الاحياء السكنية اليهودية الضخمة في جميع المناطق التي تحيط بالمدينة من الشمال والجنوب، وهو ما عرف بسياسية الاطواق، بهدف التوصل الى تحقيق أغلبية يهودية ومنع نمو المناطق العربية المتاخمة لها والحيلولة دون تواصل جغرافي أو سكاني بين تلك المناطق ومدينة القدس، وفضلا عن ذلك تبلورت سياسية اقامة الكتل الاستيطانية اليهودية الى جانب المدن والتجمعات العربية وفي داخلها ومن ضمنها القدس.
هذا وقد جاء اصدار الكنيست لقانون اعلان القدس الموحدة عاصمة ابدية للدولة اليهودية ليمثل خرقا آخر واضحا وصريحا لمبادئ القانون الدولي، خاصة المبدأ المتصل بعدم جواز الاستيلاء على الارض عن طريق القوة؛ ففي حقيقة الامر عملت اسرائيل على ان تفرض أمر واقع على كافة دول العالم من خلال هذا الاعلان في تحد صريح لقرارات الشرعية الدولية، خاصة ما تضمنه قرار التقسيم من وضعية خاصة لمدينة القدس، وعلى صعيد اخر، كرس هذا القرار ما سبق رصده من مخالفة اسرائيل لمضون القرار الذي تم بموجبة قبول عضويتها في الامم المتحدة، والذي اشار الى قرار التقسيم وما يتضمنه عن القدس.
ومع اواخر الثمانينات تصاعدت سياسة فرض واقع التهويد على القدس بفعل متغيرين أساسيين هما: هجرة مئات الالاف من اليهود السوفييت الى اسرائيل من جانب، والحديث عن التسوية السلمية للصراع العربي – الاسرائيلي، وقد أدى ذلك الى تكشف الخطط الاسرائيلية لاسكان المستوطنين اليهود الجدد داخل اسوار القدس وفي ضواحيها الجديدة أو ضمن حدود القدس الكبرى.
ومن الجدير بالذكر الإشارة هنا الى بعض المخططات التي استخدمها الكيان الإسرائيلي وخرق فيها القانون الدولي منها على سبيل المثال لا الحصر:
-الخطة الاستيطانية الخمسية الشاملة التي قدمها (اريل شارون) الى الحكومة، لدى توليه منصب وزير البناء والاسكان في يونيو 1990، وهي الخطة التي نالت موافقة الحكومة وتضمنت العمل على البناء في القدس الكبرى، بهدف تعزيز وضع القدس بوصفها عاصمة اسرائيل الابدية.
- خطة بوابات القدس: وهي خطة سرية اعدتها وزارة الاسكان والبناء الاسرائيلية ومجموعة عطيرت كوهانيم وتم الكشف عنها في اواخر عام 1991 وتضمنت اقامة 26 نقطة استيطانية جديدة في القدس، على مساحة تقدر بنحو 3345 دونما من الاراضي العربية المصادرة عام 1967 ، وكان رئيس الحكومة الاسرائيليى انذاك، اسحاق شامير، يؤيد خطة لنقل (100) الف مهاجر يهودي سوفييتي للاقامة في القدس.
ولا يخفى على المجتمع الدولي حجم الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي والتي كانت بالتوازي مع سلسلة من الاجراءات التي استهدفت الوجود العربي في المدينة، من بينها مضايقة المؤسسات الفلسطينية واغلاقها، وسحب هويات المقدسيين، وتمثل الهدف وراء كل ذلك في التأثير المسبق على مفاوضات الحل الدائم حول المدينة عبر خلق وقائع ميدانية لصالح التواجد الاسرائيلي في القسم الشرقي منها.
السند القانوني لتجريم إجراءات الاستيطان
لا يخفى على الجميع ان هنالك ادانة منتظمة لسياسات وممارسات الكيان الإسرائيلي الاستيطانية من قبل الامم المتحدةومن قبل اللجنة الدولية للصليب الاحمر والاتحاد الاوروبي باعتباره عائقا كبيرا أمام تحقيق سلام شامل وعادل أساسه إقامة الدولتين ؛ حيث أن هذه المخططات والمشاريع الاستيطانية تتناقض مع القانون الدولي بشكل عام والقانون الدولي الانساني بشكل خاص، ويمكن الاشارة في هذا الخصوص الى المواد التالية:
-المادة (53) من معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر تدمير الممتلكات الخاصة، الا اذا اعتبرت ضرورية للعمليات العسكرية.
-المادة (49) الفقرة السادسة من معاعدة جنيف الرابعة التي تحظر على القوة المحتلة نقل مجموعات من سكانها المدنيين الى الاراضي التي تحتلها.
-المادة (46) من انظمة لاهاي التي تحظر مصادرة الممتلكات الخاصة.
-المادة ( 55 ) من انظمة لاهاي التي تجبر القوة المحتلة على ادارة الاراضي المحتلة وفقا لقواعد حق الانتفاع (هذا البند مهم حينما يتعلق الامر بفحص الممارسات الاسرائيلية تجاه الموارد الطبيعية للاراضي المحتلة مثل المياه).
بطبيعة الحال فان عملية الاستيطان لم تكن لتتم لولا سياسة الطرد والترحيل القسري أو الدفع على الهجرة الجماعية من خلال اساليب الترهيب وارتكاب المذابح، التي اتبعتها الجماعة اليهودية في فلسطين (اليوشيف) قبيل تأسيس الدولة، وتم التوسع فيها في نهاية عام 1948 حتى الاعلان عن تأسيس الدولة والتوصل لاتفاقيات الهدنة مع الدول العربية المجاورة عام 1949.
وهكذا سعى الكيان الإسرائيلي خلال العقود الماضية الى استكمال مخططها الاستيطاني الهادف للسيطرة الكاملة على مدينة القدس، وعملت على تحقيق ذلك من خلال توسيع ما يسمى بحدود القدس شرقا وشمالا، وذلك بضم مستوطنة "معالية أدوميم" التي يقطنها جوالي 35 الف مستوطن، كمستوطنة رئيسية من الشرق، اضافة الى المستوطنات العسكرية الصغيرة مثل "عنتوت، ميشور، أدوميم، كدار، كفعات بنيامين" من الجهة الشرقية، "والنبي يعقوب، كفعات زئييف، والتلة الفرنسية، كفعات حدشا، كفعات هاردار" من الشمال.
ان السياسة التي اتبعتها "اسرائيل" أدت الى مضاعفة عدد المستوطنين، وفي نفس الوقت قللت نسبة السكان الفلسطينيين الذين يشكلون ثلث سكان القدس أي حوالي 220 الف نسمة بما فيها الجزء المضموم 380 الف نسمة، وعمليا أضاف ضم مستوطنة "معالية أدوميم" الى حدود البلدية أضاف 35 الف مستوطن الى عدد المستوطنين الموجودين في الحزام الاستيطاني حول القدس، وبذلك يصبح اكثر من 200 الف مستوطن يسكنون داخل حدود البلدية، اضافة الى المستوطنات الشرقية التي تضاعف العدد الى 400 الف يهودي في القدس الغربية.
هذا تجدر الاشارة الى ان عدد المستوطنات في القدس بلغ – وفق احصائيات مركز أبحاث الاراضي – 29 مستوطنة، 14 منها في القدس الشرقية، وتنتشر هذه المستوطنات في محافظة القدس على شكل تجمعات استيطانية مكثفة تتخذ الشكل الدائري حول المدينة وضواحيها ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة.
اما مايتعلق في الاثار السلبية لعمليات الاستيطان في القدس ومن ابرزها من أبرزها ما يلي:
-مصادرة آلاف الدونمات من الاراضي التابعة للقرى التي اقيمت عليها المستوطنات؛ حيث يعتمد الاحتلال الاسرائيلي سياسية مصادرة الاراضي المملوكة للفلسطينيين من أجل توسيع مستوطناته، وبالتالي تضيق الخناق على الوجود العربي في مدينة القدس.
-تطويق التجمعات السكنية الفلسطينية والحد من توسعها الافقي والعمودي لاستيعاب التزايد الطبيعي للشعب الفلسطيني إضافة إلى تهديد بعض التجمعات السكانية الفلسطينية بالازالة، وخاصة تلك التي تعترض تنفيذ المخطط الاسرائيلي الرامي الى دمج العديد من المستوطنات المحيطة بالقدس.
-كذلك ابقاء فلسطيني مدينة القدس وضواحيها في حالة خوف ورعب معزولين عن شعبهم ووطنهم بشكل دائم، من خلال الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل المستوطنين المدججين بالسلاح والمحميين من قبل قوات الشرطة الاسرائيلية وحرس الحدود.،كذلك عزل مدينة القدس وضواحيها عن محيطها الفلسطيني في الشمال والجنوب والشرق، و فصل شمال الضفة عن جنوبها، والتحكم في حركة الفلسطنيين بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، وقطع التواصل الجغرافي بين انحاء الضفة الغربية وتقسيمها الى بقع متناثرة، وبالتالي الحيلولة دون اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة جغرافيا، وهذا جميعه أدى الى تشويه النمط العمراني الرائع للقدس العتيقة والقرى الفلسطينية المحيطة، الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وذلك بادخال النمط العمراني الحديث.