علينا جميعاً سواء كنا في موقع المسؤولية ام على مقاعد المتفرجين ان نستشعر الخطر الداهم ونلتفت باهتمام خاص الى واقع مؤسف بات يلقي بظلاله على المجتمع الاردني حيث اصبحت كل ظاهرة احتجاج تحظى بتأييد واسع بغض النظر عن مدى أحقية اسبابها ومسوغاتها.
يتراجع القانون امام (الفزعة) وتحل مكانه سلطة اخرى اساسها قاعدة مجتمعية متوارثة انتجت نموذجاً ناشزاً من المواطنة يميل الى التمرد لتحصيل الحق وفرض الباطل، ولا يرى الصواب بعين القانون ولا يعترف بالنظام العام الا عندما يخدم مصالحه ولو على حساب مصالح الدولة والمجتمع.
في اي خلاف داخلي يقع توجه اصابع الاتهام للجهات الرسمية عندما تكون طرفاً في سوء فهم او اشكال من اي نوع حتى لو كان وظيفياً يتعلق بجوانب فنية بحتة ولا مجال فيه للتأويل والاجتهاد، وبغض النظر عما اذا كانت هذه الجهة حكومة ام برلمان ام وزارة بعينها، ودونما اي اعتبار لعدالة وموضوعية الاتهام ومصداقيته، لا احد يريد ان يعرف الرواية الصحيحة او يقترب منها ما دامت الحكومة او البرلمان بشقيه الاعيان والنواب أطرافاً في خلاف طرفه الآخر مواطن غاضب لاي سبب يخصه. وعلى نقيض العدالة والمنطق هناك تعمد واضح لتجاهل الحقيقة والقفز عنها وتبني الرواية من طرف واحد واعتماد المعلومات التي تصدر عنه، ففي هذه الحالة تتغلف الواقعة بنظرية المؤامرة وتصبح معها الوثائق مزورة والحقائق مقلوبة ولا يتوقف التأويل عند حد الاثبات والبرهان، وفي بعض الحالات يصل الاتهام درجة مخيفة من التخوين لكل مسؤول في الدولة.
مهما فعلت الحكومة فهي مقصرة، ومهما قالت فهي كاذبة، والأمر سيان فيما يخص مجلس النواب ،فرغم تمثيله للشعب الا ان الشعب لا يثق بأي قرار يتخذه او موقف يصدر عنه حتى لو تطابق هذا الموقف كلياً مع مواقف الناس ورغباتهم ،لكن في المقابل لا احد يقبل بغياب البرلمان واذا غاب ضجت البلد بالاصوات المطالبة بالديمقراطية وبالاستحقاق الدستوري وبالانتخابات ،وما ان يتشكل البرلمان حتى تبدأ المطالبات بالغائه وتشرع ماكنة الاحباط بتصنيع كل ما من شأنه ان يقضي على رغبة اي نائب بالعمل النيابي المخلص ،ويبقى البرلمان محط اتهام ومرجماً لكل طموح الا اذا أصبح عضواً فيه بصفة نائب او عين.
كم هو مؤسف بالفعل ان نجد طابوراً من المثقفين وحملة شهادات علمية رفيعة يصطفون الى جانب التمرد ويتبنون الرواية الناقصة للاحداث ،واكثر من ذلك فانهم في غالب الاحيان ينتهزون الفرصة لاظهار انفسهم اما منتقمين لسبب شخصي أو بدائل جاهزة وقادرة على اطفاء التمرد مقابل مكسب وظيفي يرد لهم الاعتبار.
ما من معارضة مبدئية في الاردن موجهة لخدمة قضية او مصلحة عامة ،هناك معارضون لا تسمع اصواتهم الا عندما يقع مكروه لأي سبب من الاسباب، عندئذ يظهرون في التجمعات كمتحدثين او خطباء او نشطاء على السوشال ميديا ،فيقدمون انفسهم باعتبارهم ضحايا ظلم الدولة لهم اما باقالتهم قبل ان يشيخوا او لأن الوزارة تشكلت بدونهم او لاي سبب شخصي آخر، ومع ذلك يحرصون على عدم اظهار مطالبهم ومظالمهم الشخصية في اي حدث شعبي ،بل ينهالون بالتأييد على التمرد والمتمردين مهما كانت دوافعهم واسبابهم وغالباً ما يسعون لتضخيم اي ظاهرة احتجاج واخراجها عن سياقها القانوني وتسليمها للعشيرة كي تحدث المواجهة مع الدولة في ميدان اوسع ويكون لهم فيه مقعداً .
ويبقى السؤال المقلق قائماً ينذرنا بخطر قادم اذا ما قبلت المؤسسة الرسمية ان تقف في الجهة المقابلة وتكون طرفاً وليست حاضنة لكل الاطراف ،ثم تقبل بوضع القانون جانباً واستبداله بالعطوات والصلحات العشائرية ودفع اتاوات الترضية من هيبتها ، ونسأل بألم ، لماذا يحظى اي احتجاج بالتأييد والفزعة على نطاق واسع، ولماذا تنضوي بعض العشائر تحت شعارات بمضامين تهدد السلم المجتمعي وتقدم نفسها ناصرة للظلم وخصماً للحكومات والمؤسسات الرسمية ؟
الجواب بالنسبة لنا واضح ومعروف وقد طرحناه مراراً وتكراراً مفاده انه عندما تتخلى المؤسسة الرسمية عن القانون او تتنازل عن بعضه فانها تفقد القوة الوحيدة التي تجعل منها سلطة حاكمة مصانة الهيبة وواجبة الاحترام بموجب القانون ولا يجوز التعامل معها لتحصيل الحقوق بغيره، وعندما يحدث ذلك وترضى السلطة بما يقسمه لها اصحاب (الزامور) الاعلى ،فأن التحشيد ضدها يصبح محل اعتزاز الفرد بعشيرته وعندئذ تصبح خسارتها لأي مخاصمة مسألة وقت لا اكثر .