القصص التي سمعتها والمعلومات التي علقت بذهني عن الديوك خصوصا البلدية منها كثيرة جدا.. في قريتنا كانت الديوك تربى ليجري ذبحها واعدادها كولائم للزوار الذين يحضرون ويغادرون على عجل.. كانت الديوك وطهيها اشبه بالوجبات السريعة الدسمة.. الشرطة والجباة والمعلمين والممرضين الذين يوزعون المطاعيم على المدارس كانوا اكثر الفئات استهلاكا للديوك ولحومها.
شوربة الديوك مع الفريكة كانت الغذاء الاهم للامهات اللواتي يستمتعن برعاية ما بعد الولادة فقد كان الحساء يعد لهن وشوربة الديوك هو الطبق الاكثر شهرة والاطيب مذاقا.. كان الاعتقاد بان لحساء الديوك ولحمها المائل للحمرة اثرا فعالا على التئام جراح النفاسة لدى الامهات.. الى جانب البيض والرقيطة او النبتة المرقطة التي يقلى بها البيض اعتقد الناس ان الام حديثة الولادة ستكون بخير.
الفحولة والذكورة التي ارتبطت بالديك دفعت بالبعض الى الاعتقاد ان تهيئة العريس للدخلة تتطلب تكثيف تناوله في الليالي السابقة لهذه المناسبة للحم الديوك البلدية المشوحة بالبصل.
العلاقة بيننا وبين الديوك علاقة غريبة فبعضنا نسي ان ما بين اسراب الدجاج ذكورا تذكي داخل جموع الدواجن الاحساس بانها متحدة ويحافظ علي وجودها وهويتها ويسمع صوتها للجيران يدخل القن متأخرا ويصحو مع اول انبلاج ضوء ليصيح معلنا بداية اليوم...
في عالم الدجاج لا مطالب بالتغيير ولا اعتراض على الاوضاع كيف لا وهو اول من ابتهج بفكرة التدجين واستسلم لطقوسها دون ضجيج ولا جلجلة اوطيران..
في الاعشاش التي اقتطعت لتكون مأوى له يضع الدجاج البيض في مواقيت معلومة وبرضا لا يشوبه اعتراض وينتظز مواعيد العلف الذي يتزاحم على التقاطه بخفة وسرعة ونهم ويجول في اطراف المكان مبتعدا ومنصاعا كلما سمع خطوات المربين والمالكين والمشرفين تدنو من ابواب الحظيرة.
وسط هذا السكون تتبارى بعض الديوك التي تتباهى بطول سيقانها وحمرة اعرافها ووفرة ما يوفره التدجين لها من العلف والطول واذعان الدجاجات لرغباته في الهيمنة والضبط والصعود فوق اجنحتها لزرع الاجنة وتلوين حياتها بالحب والبقاء.
الديوك البلدية مزعجة للجيران فهي لا تعرف الفرق بين ساحة القن واسطح الجيران.. كما انها لا تدرك ان صوتها لا يطرب الا بعض من يبحثون عن ما قد يؤنسهم في ظلام ووحشة الليل... هي ليست كالدجاج الذي يلقي بيضه ولا يسمع له صوت... في كل مرة يصيح فيها الديك يتذكر الفلاح ان هناك جيرانا قد يغضبوا ويناقش مع سيدة المكان اذا ما كان ببالها التخلص من مصدر الازعاج هذا.
قد لا تبدو فكرة التخلص من الديوك مجدية فلا احد يريد المكان بلا حياة ولا حل الا بالتخفيف من الديوك او تدريبها على ان تصيح في الاوقات التي لا يسمعها الجيران او بايهامها والتعتيم الذي لا يسمح بتسلل النور الى متازلها.
في عرف معظم اصحاب المزارع تعتبر الديوك البلدية مزعجة ومقلقة لذا فقد استحسن البعض واستسهلوا استبدالها بالديوك المهجنة.. التي لا تصيح ولا تتزاوج بل تتهادى واسير برفق فهي مثل كل البذور والنباتات التي قتلت اجنتها واصبحت غير صالحة للتكاثر وغير قابلة للاستمرار لاكثر من جيل واحد...