العقود الأخيرة شهدت تنامياً وتطوراً في حالة تغول الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، هذه الهويات رغم اعتزازنا بها كإطار اجتماعي سواءً كان عشائريا أو مناطقيا إلا أنه أصبح لزاماً علينا أن نعترف بأن هذه الظاهرة لم تكن وليدة تطور مجتمعي منفرد بل كانت نتيجةً لتغذية طويلة الأمد من قبل الكثيرين في مؤسسات الدولة إذ بتنا نحصد ما زرعنا، خصوصاً في السنوات الأخيرة التي بدأت تظهر فيها هذه الهويات الفرعية والتعصب لها أصبح عرفاً مجتمعياً سواءً للعادات المجتمعية أتراحاً وأفراحاً أو للممارسات السياسية معارضةً أو موالاةً.
في الحقيقة لا يمكن الحديث عن هذه الظاهرة دون التعرج على المسبب الرئيسي والذي يتمثل بقوانين الانتخابات المجزوءة بدءاً بنظام الصوت الواحد مروراً بالدوائر الوهمية وصولاً لنظام القوائم الذي لم يعالج تلك المشكلة أبداً، والسبب الآخر الواجب أن نؤشر عليه هو ضعف سيادة القانون وغياب العدالة ومدى أثرها في تنامي هذه الظاهرة خصوصاً إذا ما تحدثنا عن البنى التحتية ومستويات التنمية وفرص العمل وحتى الاهتمام الرسمي الذي يظهر فجوات ملموسة بين المواطنين.
إن ظاهرة تنامي الهويات الفرعية هو نتاج حالة غضب عند الأردنيين تظهر كلما لاحت فرصة ولكنها لحسن الحظ ما زالت تتمخض على شكل مسيرات ومظاهرات أو حملات فيسبوكية قصيرة زمنياً ولكن هذا الغضب قد يتحول إلى إطار غير سلمي إذا ما استمرت سلطات الدولة بتجاهله، ولا يمكن الارتكاز دوماً على الحلول الأمنية أو ترحيل المشكلة للمستقبل.
لا شك أن الخطوة الأولى لتقليل أثر هذه الظاهرة إنجاز قانون انتخابات برلمانية يوسع من حجم الدوائر الانتخابية ويمزج بين الصوت الوطني والمحلي ثم يجرى على أساسه انتخابات تتوائم مع الممارسات الفضلى وتلبي طموحات الأردنيين الذين يمتلكون الوعي والقدرة على اختيار من يمثلهم دون تجارة الاصوات ودون دوزنة مسبقة، ثم يلي ذلك حكومة مسؤولة تحترم النواب الذين يمثلون الأردنيين وتمتثل لإرادتهم.
خلاصة القول بأن الهويات الفرعية قد تكون خطرآً داهماً وسحراً قد ينقلب على الساحر إذا استخدمت في إطارات معينة؛ فلا يجوز أن تبقى مؤسسات الدولة تضع رأسها في الرمال كان شيئاً لم يكن، ولا بد من الذهاب نحو الهوية الوطنية الجامعة وسيادة القانون مع تحقيق العدالة اللذين يعتبران أفضل الطرق لتحقيق اصلاح اجتماعي اقتصادي وسياسي يسهم في بلورة إطار وطني جامع يصحبُنا للأردن الذي نريد.
الدستور