تبتُّل:
طالما غرَّد لها ذو العينين الزَّرقاوين في صَحْوها وعافيتها، وطالما تراقصت بهدوءٍ لأنغامِه الجميلةِ ولحنه الصّدّاح؛ إذا قَرَضَ جادَ من سكونِها ورَيْحانها القريضُ، وإذا أُرتج عليه في التّعبير، نَظرَ إلى بريق عينيها، فتواردت له الكلمات حسنةَ السَّبك والحَبْك...، مرضت وطال بها المرض، وطال به التَّذلّل، كلَّما أنَّت زاد أنينُه، تنظر إليه فتراه يتبتَّل، لعلَّ الله يرفع المرض، ويكشف عنها البلاء.
حَظْر:
صعِد المِنبر ودموعه تسيل على خدّية من ويلات الجائحة، وعيون النّاس ترمقه، وحبّات تتلألأ في مآقيه، صمت بعض الوقت، وكأنَّه أُرتج عليه، لكنّه قال: أيّها النّاس، حَجْر في بيت، ولا لوعة على ميْت، واللهَ أستغفر لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم.
توجيه:
حدَّثته نفسُه وهو مستلقٍ على ضفَّة جدولِ ماءٍ تَجري مياهه رَقراقة تتلألأ، إذْ قَفَل جَوّاله على مكالمة، أنبأه بها صديقُه أنَّ (فلانًا) غدا رئيسًا لإحدى الجامعات؛ رغم أنف أبي ذرّ- فقال: ما شعورُ أبي ذرّ إذْ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، إنَّك ضعيف، وإنَّها أمانة، وإنَّها يوم القيامة خزي وندامة، إلَّا من أخذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها"؟!
حزن لنفسه، أخذته سِنة، ظهر له صديقه: لا تبتئس، لا تقلق، لا تحزن على تَغييبك المقصود، وكفاءتك النّادرة؛ فإنَّ حديث أبي ذرّ الذي طالما ذكّرتني به، توجيهٌ سديد لجوعى المناصب الذين يتيهون إذا أسندت إليهم مسؤولية، وغدوا أصحاب قرار.