قبل أكثر من عشرين سنة زرت الشمال الغربي السوري الجميل وتحديدا" منطقة " الحفة " . جاءت " الحفة " قبل يومين ببالي وقلت لنفسي : كم أتعبنا الوقوف على " الحفة" . فالناجح على " الحفة " كانت لغة الطالب المهمل وهي لغة غير مريحة بل مزعجة للآباء لما يروا أبناءهم بعلامات " الحفة " ، وأذكر أن والدا" لما علم أن ولده على " الحفة " في التوجيهي قدم له من البهدلة المرتبة قياما" وقعودا" .
و" الحفة " في الموقف السياسي تجعلك منبوذا" في الطرف ولا تستطيع شد " شَعرة معاوية " حيث المسافة كبيرة بين أقصى اليمين وأقصى اليسار . والذي يريد أن يكون سياسيا" يحتاج إلى خيارات واحتمالات وعلاقات وتقدم وتأخر وهذه كلها تتناقض مع " الحفة " المتطرفة .
وفي المجال الفكري هناك " جدل الأفكار " الذي يمكن أن يتم بمرونة " لا إكراه في الدين " ولا إكراه في الفكر ، ولكن أصحاب " الحفة " الفكرية تراهم متصلبين متشنجين متكلسين يخلطون بين صلابة المبدأ ومرونة الحوار ولهذا نراهم لا يحسنون العلاقات مع المخالفين لهم .
الوقوف في " الحفة " له ثمن نفسي حيث يعيش من يقف فيها حالة توتر فيؤذي نفسه وغيره . إن إدخال السرور والفرح على الناس عبادة طلبها الله في وصيته للنبي صلى الله عليه وسلم حين قال ( إنا أرسلناك شاهدا" ومبشرا" ونذيرا" ) فقدم البشرى على الإنذار .
كثيرون - وأنا منهم - ننسى حاجتنا النفسية للمرح والضحك والابتسامة والأمل فصرنا نعاني من الضغط والجلطات والتوتر والكآبة والشعور بالإحباط ووصلنا الى الجرائم والمخدرات وامتلأت السجون ناهيك عن اللعن والسب والشتائم وانهيار الأخلاق .
رأيت شخصا" عابسا" فسألته عن السبب فقال : كيف أبتسم والقدس محتلة والعراق ممزق وسوريا حلت فيها جيوش الأغراب وشرد منها الملايين . فقلت : وهل كشرتك حلت هذه المشاكل ؟! .
علينا أن نخصص جزءا" من وقتنا لاستراحة الروح والنفس كي نجدد حياتنا ما قال محمد الغزالي رحمه الله لننطلق لمزيد من العطاء الإيجابي .
وقديما" قالوا لكل مقام مقال فلا ضحك ولا تنكيت في العزاء ، وفي المقابل لا تكشير ولا تنكيد في الأعراس وحفلات النجاح وقد قال علماؤنا قديما" " ليس من الأدب الوقار في البستان " أي مكان الرحلة .وليس مطلوبا" من خطيب الجمعة أن يجعل الناس في كل اسبوع للعيش في جو عذاب القبر ونيران جهنم ، فكما هناك النار فهناك الجنة ، وكما هناك غضب الرب هناك رحمته عز وجل .
علينا أن نغير في تصوراتنا وأرجو اعتبار مقالي هذا اعترافا" مني أنني لطالما أخطأت في هذه المسألة لكنني أشكر اللهَ تعالى أن أنار لي الدرب.
ابتسموا فلطالما عبس