للاجابة على سؤال وردني بخصوص ما اذا كان يشترط لغايات عقاب من يرتكب جرم الذم ان يحقق غرضه بالنيل من شرف المجني عليه وكرامته او تعرضه الى بُغض الناس واحتقارهم؟؟
للاجابة على هذا السؤال لابد من الرجوع الى المادة (181/1) من قانون العقوبات بقولها: "الذم هو اسناد مادة معينة الى شخص _ ولو في معرض الشك والاستفهام _ من شأنها ان تنال من شرفه وكرامته او تُعرِّضه الى بغض الناس واحتقارهم سواء اكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب ام لا".
يتبين من هذا النص ان المشرع لم يشترط ان يتحقق الاذى بالفعل، اي ان تصاب سمعة المجني عليه بسوء، فكل ما يلزم لغايات العقاب في هذه الجريمة، ان يقع النموذج الواصف لها والمحدد لمعالمها _ وهو حدوث الذم في المادة (189) من قانون العقوبات _ وهي اقرب ما تكون الى طرق العلانية المنصوص عليها في المادة (173) من ذات القانون.
وليس أدل على صحة ما اقول، ان المشرع اكتفى في المادة (188/1) لغايات عقاب الفاعل ان يكون من شأن المادة المعنية المسندة، النيل من شرف المجني عليه وكرامته او تعريضه الى بغض الناس واحتقارهم، ولم يتطلب ان تؤدي هذه المادة المسندة في الحقيقة والواقع للنيل من شرف المجني عليه وكرامته او تعريضه الى بغض الناس واحتقارهم، فلغة الشارع هي سلاحه في التعبير عن مراده.
وبعبارة اخرى، إن هذه الجريمة لا تعدو ان تكون اكثر من كونها جريمة شكلية او جريمة خطر وليست جريمة مادية او جريمة ضرر، فمناط التجريم هو الخطر لا الضرر، وصحة الواقعة المسندة او عندم صحتها لا يمنع من قيام جريمة الذم، واكثر من هذا، ان الجريمة تتحقق ولو نسبت الى المجني عليه واقعة صحيحة على نحو يقيني فمجرد اعتقاد صحتها لا ينفي اركان جريمة الذم في ذاتها ما يحول دون قيام الجريمة.
نخلص منا تقدم، ان كل ما يلزم في هذه الجريمة، هو البوح باحدى الطرق المنصوص عليها في المادة (189) من قانون العقوبات في حق شخص ما بتعبيرات من شأنها ان تؤذي سمعة هذا الشخص واعتباره بين الناس ولو لم يتحقق هذا الايذاء بالفعل حتى ولو لم ينشأ خطر تحققه، لان سمعة من أُستتُهدِفَ بهذه العبارات أسمى واقوى من أن يمسها أحد بسوء.
فليس على المحكمة في سبيل الادانة في هذه الجريمة التحرّي عما اذا كان سمعةمن استِهدِفَ بالعبارات المُهينة قد تأذت او تعرضت للأذى، فالعقاب مُستحق استقلالا عن كل ذلك ، اي ان هذا الجرم، هو عبارة عن حدث يعاقب عليه في ذاته ولذاته، بصرف النظر عن نُشوء او عدم نشوء أذى منه، والحدث الذي يوجب في هذه الجريمة بالذات، ه. استخدام احدى الصور المنصوص عليها في المادة (189) من القانون لإسماع الغير بها او بلوغها ادراك هذا التعبير.
ولابد ان أشير في هذا المقال الى ملاحظات ثلاث، تتمثل اولاها : باتساع نطاق التجريم كون المشرع لم يشترط فعلا وواقعا ان يُلحِق مادة الذم النيل عن شرف المجني عليه وكرامته او تعرِضه الى بغض الناس واحتقارهم وانما اكتفى ان يكون من شأنها ذلك ، في حين تتمثل ثانيتها : في ان جرم الذم يتحقق ولو كان اسناد المادة المعنية الى المجني عليه في معرض الشك والاستفهام لا في معرض اليقيني والاستثبات، في حين تتمثل ثالثتها : في التضييق من نطاق التجريم، كون المشرع اشترط لغايات العقاب ان يقع الذم على صورة م الصور المنصوص عليها في المادة (189) َمن القانون .
وختاما، أشير الى انه ما من جريمة الا وتستلزم ركنا معنويا تتمثل بالقصد او الخطأ، فهذه الجريمة قصدية، فهي صِيَغٌ تتضمن افعالا متعدِّية لا لازمة، فسوء القصد اذاً ركن في جرائم الذم.
ملاحظة : انظر مؤلفنا في هذه الخصوص الجرائم الواقعة على الشرف والجريمة ص١١ وما بعدها.
والله ولي التوفيق ...
أول من حاز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم القانونية
اول من حصل على رتبة الاستاذية في القانون الجزائي في المملكة
عميد كلية الحقوق في الجامعة الأردنية وعمان الأهلية سابقا
عضو محكمة التمييز سابقاً
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء والتشريعات سابقا
عضو المحكمة الدستورية سابقاً