الدوافع لطرح هذا السؤال, اننا على ابواب انتخابات عامة. هل هم فئة النخبة الادارية التي تولت المناصب العامة في العقود الاربعة الاخيرة. ام انها الاحزاب وشيوخ العشائر ومجموعات رجال الاعمال من الطبقة الثرية!! .
تحتاج الاجابة الى بحث عميق في واقع المجتمع الاردني وسوف يصدم المرء عندما يكتشف ان هذا التقسيم الدارج للمجتمع, تحت مسميات رجالات الدولة, والعشائر, والاحزاب, ورجال الاعمال, هو غير دقيق, فكل طرف من هذه الفئات لا يشكل وحده قطاعا منفصلا يتمتع بوحدة داخلية, فلا الاحزاب احزابا ولا العشائر عشائر, ولا رجال الاعمال قوة مؤثرة في المسار العام للدولة.
السبب في رأيي غياب وجود "المجتمع المدني" القادر على تنظيم واحتواء هذه التعددية المجتمعية ودمجها في السلطة السياسية بما يخدم قوة الدولة ووحدة الشعب, فالعشائر لم تعد تملك القوة السابقة من حيث قدرتها على جمع اكبر عدد من المواطنين المنتمين اليها, بعد ان اصبحت "الشيخة" شهادة يحصل عليها الشخص من السلطة وليست مسألة قرار داخلي في العشيرة, ومع تعدد وتكاثر الشيوخ بات الحديث عن الوحدة العشائرية كمنظومة قوية في المجتمع المدني امرا مبالغا فيه.
وينطبق الحال على الاحزاب التي خضعت لقانوني انتخاب واحزاب أديا الى تحجيم دورها حتى تحولت الى عائلات لا احزاب, ونواد اجتماعية لا مقرات تسعى للصراع السياسي في البرلمان والحكومة. لقد سلّمت من دون نقاش, لوجهة النظر الرسمية القائلة بان حمولة الاحزاب من الاعضاء لا تتجاوز عدد عشيرة صغيرة. فانكفأت على ذاتها وبدأت تتآكل من الداخل, بينما تطور الحياة الحزبية في العالم كله, بما في ذلك امريكا ودول اوروبا, حوّل الاحزاب الى تيارات وعناوين برامج. ولم يعد مهما عدد اعضاء الحزب, انما عدد من يدلون باصواتهم لصالح برنامجه من المواطنين غير الحزبيين في الحملات الانتخابية.
اما طبقة رجال الاعمال, فهم ابعد ما يكونون عن لعب دور الرأسمالية الوطنية التي تهتم باقامة الاحزاب ووسائل الاعلام, من اجل التنافس المشروع على مواقع القرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية, انطلاقا من تجنيد الرأي العام وحشده في الحملات الانتخابية. فـ "المحافظون" وصف لا ينطبق على هذه الطبقة حتى مع اندماجها الشكلي بصف طويل من رجالات الادارة والسياسة من متقاعدي الدولة.
وهم, اي الليبراليين, لا يتنازلون ولا يريدون المخاطرة في التوجه الى الشعب لخلق تيارات سياسية انما اختاروا الطريق الاقصر للقفز الى مراكز السلطة عبر العلاقات العامة, او من خلال نفوذ المال والخصخصة.
هناك تنافس بين هذه الفئات لتمثيل الشعب الاردني لكنها جميعا تفتقر الى الاليات والاطر السياسية التي تجعل هذه المنافسة ذات طابع وطني. فالنظام الانتخابي الذي لا يشجع (القوائم والتيارات الانتخابية) يدفع باتجاه المصالح الشخصية الضيقة التي تخاطب مجموعة صغيرة من المجتمع لكسب تأييدها, او لشراء اصواتها بحيث تغيب حالة الصراع الانتخابي المتعدد والعريض على مقاعد مجلس النواب التي تتطلب برامج عامة على المستوى الوطني.
الممثلون الحقيقيون للمجتمع الاردني لم يتواجدوا بعد. فلا تمثيل من دون حضور وتأثير سياسي قوي على الساحة الوطنية. والذين يطرحون انفسهم لهذه المهمة يحتاجون الى مراجعة مواقفهم, واعداد انفسهم لمهمة صعبة لا يمكن العبور اليها بغير تحقيق الاصلاح السياسي. اما استمرار الاعتقاد بان بطاقات الدعوات الى الاحتفالات والمناسبات الرسمية هي شهادة لهم بتمثيل الفئة المجتمعية التي ينتمون اليها فهو اعتقاد مضلل انكشف بوضوح مع غياب اي دور لهم في وقف العنف المجتمعي, وحتى في فرض المشاركة في صياغة قانون الانتخاب واية قوانين اخرى ذات طابع اقتصادي وسياسي.
من دون وجود حاضنة وطنية عامة لهذه التعددية وهي المجتمع المدني, يصعب بلورة ممثلين حقيقيين للاردنيين, بما في ذلك تشكيل طبقة وسطى. وبناء هذه الحاضنة هي مهمة الدولة اولا واخيرا. وكما يذكر علماء عصر التنوير في اوروبا والولايات المتحدة, فان المجتمع المدني لا يقوم بمعزل عن السلطة السياسية, الدولة تساعد على تكوينه, وهي التي تتحكم بمساره صعودا نحو ترسخيه, او بتفكيكه وتحطيمه.
taher.odwan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)