يا يومَ الاستقلالِ .. يا فَرحةَ الأحرارِ .. وكبرياءَ الأبطالِ .. لنا فيكَ عِزٌّ وشُمُوخ، وإلينا منكَ عَزمٌ ومَضاء، تُجدّدُ فينا رُوحَ الوَفاء، ونُسْغَ الحياةِ؛ أنّنا شعبٌ يَسْتعصي على الذّلِّ والخُنوع، ويَأْبى إلَّا الرِّفْعةَ والسُّموَّ في سَماءِ الحُريَّة ..!
يومُ الاستقلالِ كبيرٌ في حَياتنا، انتقلنا فيه إلى مرحلةٍ جديدةٍ، تَطَلَّعْنا فيها لبناءِ حَياةٍ فُضْلى فكانت: سَواعِدُها أَيادٍ وطنيَّة، وبُناتُها عُقولٌ وطنيَّة، وأركانُها مُواطَنةٌ صالحةٌ تُؤمنُ بالحريَّة، وتَنفرُ من الظُّلمِ والاسْتِعباد.
إنَّ سبعين وخمسًا (75) بُلّغتها، هي نُجومٌ ساطعاتٌ في سَماءِ الأردنِّ الجميل، يُجلّي سُطوعَها مَكامنُ الحُبِّ في قلوبِ الأردنيّين، الذين نَسَجوا أيقونةَ الولاءِ والانتماءِ لهذه الأرضِ المُخضَّبةِ بدمِ الشُّهداء، منذُ "مؤتةَ" و"اليرموكِ"؛ الفتحِ والامتدادِ ومُقارعةِ الطُّغيان، إلى "الكرامة"؛ الصُّمودِ والاستعلاءِ ودَحْرِ يهودٍ، وإبطالِ نظريَّةِ جيشٍ مَغْرور.
وهم لا زالوا يُسْرجون قناديلَ الوطنِ في نفوسِ الأجيالِ، ويَنْسجون "عباءات الفرحِ الأخضر"، تَزْهو في سياقِ الهاشميّين- فقد أخذ الأردنيُّون على أنفسِهم النُّهوضَ بالأردنِّ نَموذجًا فريدًا قُبالةَ الأرضِ المُقدّسة، ليكونَ امتدادًا لشرعيَّةِ البقاءِ في فلسطين، منذ خَطُّوا حُروفَهم قبل مائةِ عام، مُرورًا بيوم الرّبيعِ الأردنيّ سنة 1946م، في الخامسِ والعشرينَ من شهرِ أيار، وفيه تَجلَّت الشَّمسُ في رابعةِ النّهار.
واستمر الأردنيّون في مَسيرتِهم يَغُذّون الخُطا، ويُسابقون الزَّمن، ويُنْشئونَ جيلًا بِمَدْرجةِ الفَخارِ جميلًا: يَنْكأُ الجِراحَ، ويَتَماهى في حُبِّ الوطن، ويَنْهضُ يَسْمو بالوطن، ويُعاندُ كلَّ مُتربّصٍ بالوطن، ويَسُوؤه كلُّ "مُتكرّش" من خيراتِ الوطن (يَكْثر عند الطَّمعِ ويقلُّ عند الفَزَع)، ويُكافحُ ليظلَّ الأردنّ وطنًا؛ سِراجًا وَهّاجًا، وقمرًا منيرًا في لُجَّةِ الوطنِ الكبير، ويأبى إلّا أنْ يَظلَّ نهرُ الأنبياءِ (نهرُ الأردنّ)، هو الشّريانُ والوريدُ بين رئتينِ، وضِفَّتينِ لا شَرْقيّةَ فيهما ولا غربيَّة.
نَشْتاقُ إليك يا وطني، نَعيشُ في أحضانِك مُستقلّينَ، ونَبْرأُ إليك من المُتربِّصين الذين جَعلوا الوطنَ حَمولةً وفَرْشًا، فإذا نَفِد زادُهم سَلقونا بألسنةٍ حِدادٍ، فلا دَرَّ دَرُّهم! ولا أشرقت شمسُهم!
فدُمْتَ يا وطني مِشْعلًا يُنيرُ عَتْمة، ودامتْ بلادي حرّةً أبيَّةً عَصيَّة، وإنا نُغرِّدُ لك ما غَرَّد أبو صخر الهُذليُّ (ت 80هـ) لحبيبته:
فيا حُبّها زدني هوًى كلَّ ليلةٍ/
ويا سَلْوةَ الأيّام مَوْعدُك الحَشرُ