الإسلاميون في قناة الجزيرة : بعيدا عن منطق الوشاية
ياسر ابوهلاله
19-06-2007 03:00 AM
تعكس استطلاعات الرأي سواء المحلية منها أم التي تجري علي مستوي عالمي أو إقليمي مدي نجاح قناة الجزيرة في استقطاب المشاهدين بشكل جعلها مصدرا أساسيا للخبر علي مستوي عالمي. وللمرة الأولي يعترف بمؤسسة عربية بأنها أول علامة تجارية إعلامية في العالم وخامس علامة تجارية علي مستوي العالم. هذا النجاح بقدر ما جمع للجزيرة معجبين ومشاهدين جلب لها خصوما بالحق والباطل. في قصة النجاح ثمة قصور وأخطاء وهي تحتاج إلي رؤية نقدية تقوم وتصحح أكثر من حاجتها إلي ترويج ودعاية. فالقناة هي التي دشنت عصر الصحافة التلفزيونية في العالم العربي قبل عقد، وفي سنوات قليلة يصعب إرساء تقاليد مهنية راسخة خصوصا في ظل الزلازل التي شهدتها المنطقة. في كثير مما ينشر من دراسات ومقالات في الصحافة الغربية والعربية إنصاف للقناة واعتراف بريادتها عالميا، وحتي في القراءات النقدية القاسية إثراء لتجربة القناة وتطوير لها، إلا أن في بعضها تعسف وقراءات رغائبية إن لم نقل حسابات سياسية ضيقة وافتراء وتجن وتحاسد وتباغض، من ذلك القول أن القناة يسيطر عليها الإسلاميون. وتتفاوت نسبة الإسلامية من كاتب لآخر، فكاتب ربط بين حجاب المذيعة القديرة خديجة بن قنة وتغطية أخبار المجاهدين في أفغانستان، وآخر يكشف عن نفوذ الشيخ يوسف القرضاوي في القناة. وتتواتر الأخبار والتحليلات عن الخلفيات الإسلامية لمدير الشبكة أو محرريها ومراسليها. وكثيرا ما يخلط بين التدين العام والتوجه السياسي الإسلامي فيسلط الضوء علي المصلي الموجود في القناة والعامر بالمصلين من موظفي القناة صحفيين وفنيين. وكأن الصلاة لم تفرض علي المسلمين منذ بعث الله فيهم محمدا نبيا قبل بث قناة الجزيرة!
من يفترون أكثرهم ليس ذي صلة بالواقع في العالم العربي، وهم إما غربيون أو متغربون. ينظرون إلي مجتمعاتهم من عل يزدرونها ويطبقون عليها بقسوة معايير ثقافية لا تنطبق عليها. فالإسلام المكون الثقافي الأساسي لأبناء المنطقة، والإسلاميون هم أحدي تجليات هذه الثقافة سياسيا. و الجزيرة في النهاية هي قناة عربية في قطر. ولو حللنا جيدا إسلامية القناة لوجدناها بكل المعاني دون منسوب إسلامية المجتمعات العربية سواء كانت قطر أم أي بلد عربي آخر. لو دخلت إلي وزارة الصحة في قطر (لا أقول السعودية) لوجدت منسوب الإسلامية أعلي بكثير مما هو في الجزيرة، فالأكثرية في المجتمعات العربية ترتدي الحجاب، والمصلي جزء من الأماكن العامة، حتي قناة الحرة بالمناسبة في عهد لاري ريجستر عملت مصلي للعاملين فيها! وقطر في محافظتها لا تختلف كثيرا عن المتوسط العام في العالم العربي. فالتلفزيون السعودي لا تظهر فيه مذيعة غير محجبة، علي خلاف العربية التي تختفي منها المذيعات المحجبات تماما؟
ليس هذا المقصود، فالسيطرة برأيهم ليست للمتدينين وإنما للإسلاميين.. والوشاية لا تقتصر علي مقال أو مداخلة في منتدي، حيث يدور المخبرون بملفات أمنية تكشف السر وأخفي ويفاخر مسؤول أمني فلسطيني بأنه قدم للمسؤولين في قطر ملفات عن إسلاميي القناة. لكن النظرة للإسلاميين في جوهرها مثل النظرة للمتدينين. من عل ينظر إليهم باعتبارهم مطلوبين، مكانهم السجون أو القبور لا الظهور علي الشاشة الأكثر مشاهدة في العالم. النظرة الاستئصالية لا تخص الإسلاميين وحدهم. تتجاوزهم إلي القوميين أو بشكل دقيق كل مناهض للهيمنة الأميركية علي العالم .أما أصحاب الأفكار الأخري الممالئة والمتحالفة مع الأميركيين من المارينز الإعلامي فخلفياتهم وخبراتهم ثراء وتنوع لقنواتهم.
عكست الجزيرة خلافا للفضائيات الأخري تنوع العالم العربي ثقافة وفكرا وسياسة. لا يوجد بلد عربي غير ممثل في القناة بما في ذلك الصومال، لا توجد أثنية أو طائفة إلا ولها تمثيل، فتجد الكردي والصحراوي والمسيحي والدرزي والعلوي والشيعي.. طبعا لم يخطط للقناة أن تكون ملاذا للأقليات لكنها لم تغلق أبوابها أمام كفاءة بسبب أصولها أوخلفياتها الفكرية والسياسية.
لست بوارد إنكار الخلفيات الإسلامية لمدير الشبكة أو مقدم هنا أو مراسل هناك، فذلك خيار فردي مشروع يحترم وإن اختلف معه. ولكن لماذا لا تطبق المعايير المتعسفة علي من يديرون قنوات أخري أويقدمون برامجها أو يراسلونها؟ محطة إخبارية لا يخفي مديرها في مقالاته هوية سياسية تقوم علي هجاء الإسلاميين والقوميين ومناهضي الهيمنة عموما وممالئة للحملة الأميركية علي المنطقة، ومسؤول أخبار فيها معروف بولائه للقوات اللبنانية وهي فصيل متهم بارتكاب جرائم صبرا وشاتيلا واغتيال داني شمعون ورشيد كرامي وغيرها. وفي القناة ذاتها قدم زعيم القوات سمير جعجع المتهم بارتكاب أفظع الجرائم بحق أبناء طائفته وبحق اللبنانيين عموما بوصفه قديسا وبطلا في حلقات مديدة.
من حق الموارنة والقوات اللبنانية أن يعملوا في الصحافة كما من حق الإسلاميين أن يعملوا بها، لا يستطيع صحفي أن يتنكر لطائفته أو قوميته أو خلفيته السياسية لكنه يستطيع أن يمتلك حسا نزيها وعادلا في التعامل مع الأخبار. والجزيرة لم يؤسسها الإسلاميون، أسستها حكومة قطر وكان أول رئيس تحرير لها سامي حداد وهو مسيحي ليبرالي، ومحمد جاسم العلي مدير القناة لسبع سنوات كان قوميا. وفي عهده اتهمت القناة بالعمالة لصدام حسين.
يسجل للقطريين أنهم تسامحوا مع الإسلاميين ومع القوميين ومع بقية التوجهات علي قاعدة الانفتاح والاستيعاب ولم يتعاملوا معهم بعقلية إقصائية إستئصالية، وهم في المقابل لم يجعلوا القناة منبرا حزبيا، تماما كما كانوا في مؤسساتهم قبل الجزيرة. فالجزيرة لا تعين فتية أغرارا من رواد المساجد وإنما تختار أكفأ الإعلاميين وكثير منهم عمل في مؤسسات صحفية دولية وعربية قبل عملهم في الجزيرة . المهنية والاحتراف هي السمة الأساسية التي أهلت القناة للريادة عالميا في سابقة لم يعتد عليها العرب.
يحار المرء في ظل الحملات علي الجزيرة لماذا تظل هذه القناة (الأصولية والشعبوية و..) نموذجا لكل من يريد عمل فضائية إخبارية، فعندما أراد السعوديون تأسيس العربية لمنافسة الجزيرة جاؤوا بصلاح نجم رئيس تحرير الجزيرة الذي بث في عهده أول تسجيل لأسامة بن لادن، أكثر من ذلك فاوضت القناة الزميل تيسير علوني الصحفي الذي قابل ابن لادن للالتحاق بها، وعندما عملت البي بي سي برنامجا لتدريب الصحفيين في الشرق الأوسط اختارت إبراهيم هلال رئيس تحرير الجزيرة في فترة الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) والحرب علي العراق وهي أكثر المراحل اشتباكا مع إدارة المحافظين الجدد في واشنطن وذيولها في العالم العربي. تأسَي الجزيرة تواصل في البي بي سي العربي، فصلاح نجم عين رئيسا للتحرير والمفاوضات محمومة مع مراسلي الجزيرة لاستقطابهم في القناة الموعودة.
ظلت الجزيرة منذ تأسيسها فضاء مفتوحا لا يضيق بالآخر، وهذا سبب نجاحها، بخلاف الآخرين الذين اعتبروا أن النجاح هو باعتماد اللون الواحد واستئصال الآخر. واللون الواحد هنا الولاء للإدارة الأميركية والبراء ممن خالفها. أتمني أن تنفتح القنوات الأخري علي المتدينين فنجد فيها المحجبة والمصلي، يكون فيها من كان يوما مع الإخوان إلي جانب من كان بعثيا أو قواتيا ، فالتنوع هو ما يحقق التوازن ويحرس المهنية. لا أقول أتمني أن أجد مصلي في تلك القنوات لأن لاري ريجستر مدير قناة الحرة أقصي من عمله في الحرة بعد أن فعلها، مع أنه لم يكن يوما من الإخوان المسلمين.