لم تتعلم إسرائيل من كل الدروس القديمة، من أن الاقتراب من المسجد الأقصى، يؤدي إلى تفجير الأوضاع داخل فلسطين المحتلة، وكل مرة تعيد إسرائيل ذات الممارسة ضد الأقصى.
في اعتداءات إسرائيل على المسجد الأقصى التي رأيناها في رمضان، اعتداءات على الوصاية الأردنية من جهة، واعتداءات على الارتباط الشعبي في فلسطين بالمسجد، ولان إسرائيل تظن انها تستطيع أن تفعل كل شيء، رأت بأم عينها إلى أين وصلت المواجهات، من الثامن والعشرين من رمضان، إلى ما قبل يومين فقط، في درس يعد الأصعب منذ احتلال فلسطين العام 1948، إلى أيامنا هذه حيث التحولات الكبرى في الوعي العام، والرد الدولي.
اعتداءات إسرائيل على الأقصى كانت مادية أيضا، وتسببت بتحطيم بوابات، واضرام حرائق داخل المسجد، وتحطيم نوافذ تاريخية، ونقوش قرآنية، وحرق السجاد، وغير ذلك، وإذا كانت هذه الاضرار من الممكن إصلاحها، إلا انها تعبر أيضا عن حقد دفين، تواصل حتى يوم أمس، عبر اعتقال موظفي الأوقاف الأردنية، واقتحام مجموعات المتطرفين للمسجد.
هذا كله يعني، ان إسرائيل ومن باب الانتقام لما جرى سوف تواصل سياساتها ضد الحرم القدسي، وهذا يدعو إلى أن يقوم الأردن بإعادة مراجعة اتفاقية السلام مع الاحتلال، خصوصا ان إسرائيل تتعرض للأردن في ملف الوصاية، ولا نفهم كيف يمكن ان يكفي رد الفعل الدبلوماسي، عبر الاتصالات، إذا كانت إسرائيل ذاتها لا تتوقف عن أفعالها، بحق المسجد الأقصى، وما يعنيه ذلك، على صعيد الوصاية من جهة، وعلى صعيد تفجير الأوضاع داخل القدس، وكل فلسطين، وهو تفجير تتقاسم فيه إسرائيل الرسمية الدور مع الجماعات المتطرفة، التي ستقوم الآن بمحاولة إعادة الكرة مرات متتالية خلال الفترة المقبلة.
هذا يعني أن الأردن الرسمي أمام أزمة متجددة في المسجد الأقصى، خصوصا، ان إسرائيل ستحاول ان تثبت ان السيطرة والسيادة لها، وانها لا تتراجع حتى تحت أي ضغوطات أو مواجهات، وقد تستغل هذه الفترة بعد رمضان، حيث عدد المصلين في المسجد الأقصى، أقل مقارنة بفترات ماضية، وستقوم بمحاولة الاعتداء مرارا على المسجد الأقصى، بما يفرض منذ الآن التنبه لما سيجري مجددا داخل الحرم القدسي، من أعمال ثأر إسرائيلية، ومحاولة إشعال الأوضاع مجددا، عبر إجراءات مختلفة، مثل منع الصلاة في المصليات، أو إغلاق بوابات، أو اقتحام المسجد، أو التنكيل بالمصلين، أو منع اعمال الترميم، وغير ذلك.
العقل الإسرائيلي يدرك اليوم، انه تعرض إلى ظرف مختلف منذ الثامن والعشرين من رمضان الماضي، وهو بطبيعته سوف يحاول استرداد قوته، والثأر لما جرى وهذا سيجعله يوجه رسالته إلى جهتين الأولى هي الأردن كونه الوصي على الأقصى، والثانية بحق المقدسيين، لكنها في الوقت نفسه، قد تتحوط من اندلاع النار مجددا، وهذا يعني انها قد تقوم بتدريج إدارتها للموقف، وهذا يفرض على الأردن فيما يخصه، ان يعلن عن موقفه بشكل أكثر حدة مما مضى، خصوصا، ان إسرائيل وبعد صباح العيد، عادت إلى ذات ممارستها داخل المسجد الأقصى، في محاولة منها للقول انها لا تتأثر، ولا تتراجع عما تسميه فرض الأمن داخل القدس، بمعاييرها هي، وهي معايير أدت خلال الأسابيع الماضية، إلى تحطيم مواقع تاريخية، داخل الحرم القدسي، والاستهانة بحرمة المسجد بوسائل مختلفة.
لا بد ان تتداعى أركان الدولة في عمان، لإعادة النظر في كل ملف الأقصى، وما تفعله إسرائيل، التي لا تتوقف، ولا يمكن ان تكون الإدارة العادية كافية في مثل هذه الظروف، خصوصا، ان الأردن لديه صلاته الدولية القادر على توظيفها، من أجل وقف تجاوزات الاحتلال داخل الحرم القدسي، وهي تجاوزات ستؤدي الى ردود فعل أكبر من تلك التي رأيناها خلال الأسابيع القليلة الماضية، داخل كل فلسطين، بلا استثناء.
إذا واصلت إسرائيل ذات ممارساتها داخل المسجد الأقصى، فسنكون أمام ظرف أخطر، حتى لو هدأ ظاهرا، خلال اليومين الفائتين، وعلينا أن نترقب جيدا الذي يجري في القدس.
(الغد)