مسار وادي حَمّارا والشلال من الأعلى في آسيا
عبدالرحيم العرجان
22-05-2021 01:11 PM
مسار مائي بوادٍ اشتق اسمه من تفرد طبيعته الحمراء، تكون فيه أعلى شلال في العالم بعد أن شقته الأرض تحت مستوى سطح البحر، وفيه اجتمعت مقومات صناعة السياحة البيئية والمسير لعشاق الطبيعة والتي يمكن توظيفها لإطالة مدة الإقامة في البحر الميت ومحيطه.
اخترنا مسارنا الصيفي من نقطة الصفر للبحر الميت – 416 م أخفض بقاع المعمورة، بمستواه العام السهل ومعيقات طبيعية متوسطة الصعوبة مع تحدي كبير عند مستواه الأعلى لذوي الخبرة والكفاءة.
قُسم الوادي لثلاث مراحل للمسار وكل طبقة مستقلة بحد ذاتها" السفلي، الأوسط، العلوي" بدأ مسارنا السفلي من نقطة الصفر عند الجسر المقام فوق مصبه على البحر متجهين عبر شقه نحو الشرق بفج صخري متوسط ارتفاع حوافه من الجانبين بمعدل مئتان وخمسين متر حسب احداثيات جوجل ايرث Google Earth ، وكأن الوادي كان رقعة واحدة ثم فُسِخ ليتطابق طرفيه بالمعالم وتتكامل تكويناته الجيولوجية وتتعدد ما بين مصبه وبدايته على سفوح الجبال الشرقية للبحر من مغارب مأدبا، ومجرى ظهر مائه الغائر بين الصخور بعد خمسمائة متر من البداية، لتختلف الطبيعة كلياً لوجود الجدول الذي تشبعت مياهه بالأملاح وما نبط من ينابيعه الستة بقلب الوادي العميق.
يأخذك المسار الظليل أحمر اللون بين صخور تكسرت عبر الزمان لسداسيات منشوريه وأدراج صخرية تصدعت نتيجة التبريد السريع والمتكرر لدراجات الحرارة عبر انحناءات عمل جريانه فيها محاريب وجروف في الزوايا، وعوائق من تساقط كتل وشظايا وتراكم أتربة من الجانبين وما حمل السيل، لتتغير معالمه من عام إلى آخر وتبقى هشة قابلة للانهيار حتى تجف صيفاً، وهذا أحد الأسباب لمنع دخوله بفصل الشتاء، لتكوّن برك صغيرة أو مساقط مائية بارتفاعات متفاوتة وجدت السلاطيع مكان آمن لتستوطنها وتتكاثر فيها.
يستمر المسار لغاية تفرع يأخذك الجاف منه نحو الشعاب القادم من وادي أبو العسل ابتداءً من تكوين صخري كالهرم المدرج بين فجين عمل الماء على نحت جانبيه بمشهد نادر عن ما شاهدناه وعرفناه بالأودية الأخرى، يستحق تجربة الصعود بين عوائقه لنيل رؤيا علوية للمجرى موسمي الجريان، لنعود مرة أخرى نحو المجرى المائي الرئيسي للشلال الأول 6م وأمامك خيارين لصعوده إما بواسطة حبال بعقد مترابطة ثبتها العابرون من عشاق المسير بعناية والمستوجب أيضا إعادة تفحصها قبل الاعتماد عليها مع حذر الانزلاق بفعل الطحالب النامية على الصخر الرملي والارتكاز على الإزميل الحديدي الذي ثبتوه بجهودهم الذاتية ليحظى من يأتي بعدهم من عشاق الطبيعة بمشهد ما بعد الشلال، فينفتح أمامهم مشهد لا يقل عنه دهشة لشلال آخر ملون عمل مسقطه حفرة ليكون بذلك نقطة النهاية للمستوى السفلي، لنعود من الخيار الآخر سيرًا من طرف الشفا المحاذي للمسقط المائي نحو المجرى لنفس المسار والمنتهي بحبل ثبت من على ارتفاع مترين فوق صخور ملساء، وهذه المرحلة " السفلي" تحتاج لساعتين ونصف ذهاب وإياب دون استراحة ممكن أن تكون خيارًا لنزهة استجماميه لزائر البحر الميت أو نزيل الفنادق بعد أن ينهي اقامته .
ومن منتصف الوادي صعدنا الجبل الحاد 212م معتمدين على خبرتنا بمعرفة مواطئ القدم للمسير والارتكاز على حجارة رملية تتفتت بالدوس عليها وصخور محدودة الثبات قد تنزلق إن لم ترتكز عليها بعناية واستخدام العصي وتخفيض أطوالها بما يتناسب مع معدل زاوية الانحدار، لنصل القمة ونتنفس الصعداء آخذين استراحتنا عند الصخرة الوحيدة الجوفاء لنلتقي بالدرب الصاعد نحو المستوى الأوسط منه، وإن كانت المقولة للبعض والخرافة أن الوادي قُرن اسمه بحمارة قد ضلت طريقها فيه فكيف يكون ذلك ولا يوجد له منافذ أو مهارب مع أن الحمار يعرف طريق عودته ولا يَضل أبدًا وهو مضرب مثل بذلك، والصواب "حَمّارا" نسبة للونه بلهجة أهالي المنطقة البعيدة مساكنهم وهم المصدر الأصح للتسمية.
سلكنا درب الأوسط " الخطيطة" القادم من الشارع الرئيسي المحاذي لشاطئ البحر الميت من جنوبي الجسر ومن أمامنا الشلال العظيم، وصنف المسار بالسهل الاستجماميّ متطلب الحذر من الانزلاق عند المنحدرات الرملية الهشة، ولتفادي ذلك كنا نضع أقدامنا على نفس موطئ قدم قائد المجموعة واثقين بأمانها.
سلسلة من المساقط والبرك أوصلتنا للشلال الأول بجرف بازلتي 12م ومنه عبر عدد من العوائق الصخرية الموشحة بألوان أكاسيد الحديد بدرجات البني والأحمر والنحاسي الأخضر وما علق بينها من جذوع نخل البر الذي تهاوى من أطراف الجبال للوصول للشلال الكبير 82م وحسب بحثنا بالمصادر أنه واحد من أعلى خمسة شلالات في آسيا.
مشهد مهيب بحضن مسقطه القوسي المفتوح نحو البحر المقابل لجبال فلسطين، أسفله ألوان الطيف المتكونة بفعل الرذاذ المتطاير من شدة الانهمار ومتعة الجلوس تحت مائه المتساقط بقوة مع الهوابط الصخرية والملحية التي تكونت عبر عشرات السنين وجفت جراء تغير مجراه، ونباتات كان سيدها النخيل الحاضر بين الشقوق كالجنان المعلقة، كانت استراحتنا التي لم تخلُ من إبريق شاي وعصائر كالعادة، تحت سلسلة ضخمة من الهوابط الخضراء الموشحة بالسرخسيات كالمظلة من المسقط الحالي، لينتهي مساره الأوسط عند هذه النقطة والعودة نحو الصخرة الوحيدة وما حولها من جلاميد كلسية وملحية مجوفة بتشكيلات مشابهة لما يعرض من تضاريس سطح الكواكب والقمر غير البعيدة عن الطريق الرئيسي سوى بضعة أمتار من صعود القاطع الصخري للطريق، أما خيار الصعود لقمة الشلال عبر الركام المتساقط من محيطه فهو خيار صعب جدا وخطأ واحد قد يكلفك حياتك لارتفاعه الشاهق وصعوبة العودة إنْ وقعت بفخ الطريق لهشاشة الدوس على الصخور الملحية وعدم تماسكها إلا اذا كنت صاحب خبرة وقدرة كبيرة، غير ذلك فلا تجازف وإنْ كان فيجب ضمن فريق مختص وقائد حكيم.
أما الجزء العلوي ويبدأ مساره ذهاب وإياب من الجسر المشيد على طريق بانوراما نحو الشلال ومجرى أقل ملوحة بين صخور صوانيه صماء نبت على جانبيه القصب وكثرت فيه الضفادع وقصده الرعاة، نحو قمة الشلال ومشهده العظيم المنفتح صوب البحر، وبذلك نكون قد أنهينا مسافة ثلاثة عشرة كيلو متر، وزيارة متحف بانوراما الجيولوجي القريب الذي يحكي قصة تكون المكان ونشأة أخفض بقاع الأرض، ولا يقل أهمية عن متحف قمة إيفرست بنيبال أعلى جبال العالم ويقصده مئات الآلف من الزوار سنوياً والخارطة الخارجية المشيرة أسهمها نحو المدن الفلسطينية وبعدها عن الموقع بخط هوائي عبر البحر، وسحر غروب الشمس عند اختفائها بين جبال بيت المقدس والخليل في الأفق القريب وعشاء بما لذ وطاب في مطعمه.