فى كتاب مذكراته السياسية روى الدكتور فايز الطراونة، رئيس وزراء الأردن الأسبق، ما يبدو أنه واقعة طريفة عابرة، ولكنها لا تخلو من معنى مهم في موضوعها!.. روى أنه كان فردًا في أسرة من خمسة أفراد: الوالد، والوالدة، والشقيق الأكبر «هشام»، ثم هو، ومن بعده الشقيقة الصغرى «فايزة»!.
وكان الأهل والأقارب لا يتوقفون عن سؤال الوالد، أحمد الطراونة: لماذا ولدان فقط؟!.. وكان يرد: بل ثلاثة أولاد!.. وكانوا يقولون: الأنثى لا تُحسب!.
وهذه العبارة الأخيرة تدل على أن التقاليد الموروثة في الأردن هي نفسها الموروثة في مصر، وربما في كل بلد عربي.. إنها التقاليد التي ترى أن الإنجاب هو إنجاب الذكور، وأن إنجاب البنات خارج الحساب!.. ولكنها قضية أخرى لها حساباتها الاجتماعية المعروفة!.
كان «الطراونة» الأب قد اكتفى بإنجاب هذا العدد المحدود من الأولاد عن قصد، وكان يعتقد عن يقين أن الحياة الكريمة لأولاده لن تتوفر إلا بعدد من نوع ما اكتفى به، ولم تكن استفسارات الأهل والأقارب تتوقف، ولم يكن هو ييأس من محاولاته المتكررة لإقناعهم بوجهة نظره في النهاية!.
وفي كل مرة كان يقول لهم إن تقسيم كعكة على سبعة من الأولاد يختلف عن تقسيمها هي نفسها على ثلاثة.. ففي الحالة الثانية سوف يكون نصيب كل واحد أفضل، وسوف تكون حياته أكرم، وسوف تكون الفرص المتاحة أمامه في الحياة أوسع!.
كان يضرب المثل بنفسه ويقول إنه لو أنجب سبعة بدلًا من ثلاثة، لكانت الكعكة.. التي هي مجمل دخله.. قد عجزت عن الوفاء بمتطلباتهم في التعليم بالذات، وما كان الابن الأوسط «فايز» قد تمكن من دراسة الاقتصاد في الخارج، وما كان بالتالي قد اكتسب من العلم ما يؤهله لأن يجلس على رأس الحكومة والديوان الملكي و«الخارجية» في بلده أكثر من مرة!.
حسبة الكعكة المُقسَّمة على ثلاثة بدلًا من سبعة تظل حسبة بسيطة، وليست بالتعقيد الذي نعرفه عن حسبة برما الشهيرة عندنا.. ولو أن كل حكومة تواجه مشكلة في زيادة السكان فكرت في مخاطبة شعبها بطريقة الكعكة في بيت «الطراونة»، فسوف تستطيع التغلب على المشكلة دون فلسفات معقدة لا تصل إلى الناس، ودون إنفاق الوقت والجهد والمال فيما لا يأتى بعائد!.
المصري اليوم