التاريخ أعظم مدرسة ينهل منها النجباء، ومن لا يفعل فلن يصنع تاريخا لا لنفسه ولا لغيره . مناسبة هذا القول هي الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة العز والشموخ .
وفي سياق هذا التاريخ , نتناول هنا بعضا من مجرياته على صعيد قضية فلسطين العربية , وليس القضية الفلسطينية كما يسميها مكرا وخبثا بعض أعدائها .
( 1) رفض العرب جميعا وجهة نظر الملك عبدالله الأول رحمه الله والداعية إلى مناقشة قرار التقسيم الذي كان يعطي الأشقاء الفلسطينيين كامل الضفة الغربية وغزة والجليل والمثلث , لا بل وصفوا ذلك بالخيانة , واليوم وبعد 73 عاما من الحروب والنكبات والمصائب والدماء واللجوء وغيره , يطالب العرب بأقل من 16 بالمائة ولكن من دون جدوى أمام رفض الصهاينة وتعنتهم ! .
(2 ) رفض العرب جميعا وجهة نظر الملك الحسين رحمه الله في قمة الرباط عام 1973 بإبقاء مسؤولية الضفة الغربية أردنية على أمل إستعادتها سلميا كما فعلت مصر التي إستعادت سيناء , واليوم يلتهم الصهاينة كل الضفة.
(3 ) رفض الرئيس العراقي صدام حسين رحمه الله وجهة نظر الملك الحسين رحمه الله بالإنسحاب الفوري من الكويت تجنبا لحرب كونية فيها دمار العراق وعودته سنوات طوال إلى الوراء , وحال العراق الشقيق اليوم غني عن التعليق.
( 4 ) رفض العرب وجهة نظر الحسين بحل عربي لإحتلال الكويت وعدم الذهاب إلى جلب جيوش الدول الكبرى إلى المنطقة لما سيترتب على ذلك من إستعمار جديد , والنتائج اليوم ماثلة على الأرض ندفع جميعنا أثمانها الباهظة .
( 5 ) تجاهل العرب تحذيرات الحسين رحمه الله من إنهيار ما وصفه بالبوابة الشرقية للوطن العربي " العراق ", كمقدمة لإنهيار النظام الرسمي العربي , واليوم أيضا النتائج ماثلة أمام أعين الجميع حيث إنهارت أنظمة رسمية عربية عدة ودخل العراق الشقيق نفق الفتن والتقسيم الطائفي .
( 6 ) رفض الأشقاء الفلسطينيون والعرب وجهة نظر الحسين الداعية لإقامة مشروع " المملكة العربية المتحدة " في الأردن وفلسطين , واليوم يتخوف الجميع من المشروع الصهيوني الساعي يائسا إلى طمس الهويتين الأردنية والفلسطينية وصولا إلى فكرة سمجةإسمها الهوية الثالثة التي تجد خفافا طارئين قصار نظر يدعمونها تأكيدا للهيمنة الصهيونية على سائر الإقليم .
( 7 ) تجاهل الصهيوني الخفيف " نتنياهو الذي أخذته العزة بالإثم متوهما جدوى نتائج التطبيع الرسمي , وبعناد واطيء وجهة نظر الملك عبدالله الثاني الداعية إلى حل عادل بإقامة دولة فلسطينية على الأرض المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية , وها هو اليوم يتجرع كأس الخيبة والهزيمة على أيدي أبطال الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والداخل الفلسطيني .
وبعد : ذاك تاريخ لا يملك أحد إنكاره , وما يهمني شخصيا منه اليوم هو ما يلي :
أولا : إصراري على أن ما يسمى بدولة إسرائيل قد " إنتهت " معنويا , وستنتهي عمليا في غضون وقت غير بعيد , فلقد بدأ العد التنازلي وبتسارع لن تجدي معه أية حلول جزئية , وحتى لو حدث شيء منها, فلن يصمد طويلا أبدا بعد أن ظهر الحق وزهق الباطل على أيدي مقاومين مؤمنين أشداء, كانوا وما زالوا مقاومين لا مساومين .
ثانيا : المنطقة كلها مقبلة على عهد جديد وحياة جديدة هي من تدبير رب العالمين تبارك وتعالى , لا مكان فيها إلا للأقوياء الأنقياء الأتقياء من العرب والمسلمين ولا مكان فيها للغرباء أيا كانوا.
ثالثا : إن طالت الحرب الحالية لأكثر من أسبوع آخر , فسيتسع نطاقها شعبيا وسنسمع عن صواريخ ومسيرات لا أحد يحدد مصدرها , وستوغل " إسرائيل " تحت وطأة حلاوة الروح بالدم الفلسطيني أكثر , وسيكون ذلك وبعون الله , مبرر إنهيارها وبالكامل . وبالمناسبة , لا تصدقوا الرواية الإسرائيلية , فخسائرهم اليوم فادحة جدا وأجزم أن منهم من بدأ بالتفكير جديا بالهرب من فلسطين عائدا إلى حيث أتى آباؤه وأجداده .
قبل أن أختم ... أحذر من الحرب الإستخبارية الإسرائيلية المستعرة التي ستكون آخر طلقاتهم لإحداث فتنة في الأردن لا قدر الله, بهدف خلط الأوراق وخلق واقع جديد يتوهمونه , فعملاؤهم موجودون في كل شارع وزاوية من أرضنا العربية ,كما أحذر من تدخل إقليمي متأخر وعبر وكلاء للغاية ذاتها , تحت مسمى دعم ثورة الشعب الفلسطيني .الله مدبر أمر الكون كله من وراء قصدي .