الفلسطينيون يثبتون للعالم أن العبث بوعيهم وكينونتهم مستحيلة
نضال العضايلة
16-05-2021 01:07 PM
تمر هذه الأيام ثقيلة على الفلسطينيين وأنصارهم من أبناء الوطن العربي، الذين وجدوا أنفسهم كعادتهم أمام مشاهد مرعبة عاشوها بكل تفاصيلها، فالمواجهات التي اندلعت داخل المسجد الأقصى، وتحول فيها المسجد على مدار الأيام الماضية إلى ساحة حرب، تضيف إلى المواجهات التي اندلعت في باب العامود وفي حي الشيخ جراح، نكهة مميزة من المقاومة والثبات والجهاد، ثم تلك المقاومة العنيفة التي تبديها غزة هاشم امام ترسانة الأسلحة الإسرائيلية التي تأتي على الأخضر واليابس.
اليوم أثبتت القدس بشكل واضح أنها مدينة عربية إسلامية مسيحية، وليس فيها ما يبين أنها عاصمة لدولة الاحتلال، وترى الجماعات المتطرفة أن هذا الأمر يشير إلى ضعف وفشل المشروع الصهيوني في القدس وتريد تعزيز وجودها في الأقصى في ذكرى ما يسمى بتوحيد القدس، إذ يعتبر الصهاينة يوم "توحيد القدس"، الذي تزامن هذا العام مع ليلة الثامن والعشرين من رمضان، عيدا وطنيا لإحياء ذكرى استكمال سيطرة الاحتلال على مدينة القدس، واحتلال الجزء الشرقي منها، وعلى وجه الخصوص البلدة القديمة، وذلك خلال حرب عام 1967.
وجاءت مظاهرات تحالف "الصهيونية الدينية" عند أسوار القدس القديمة، والدعوات لقتل الفلسطينيين، لتزيد من حالة التوتر والغليان التي خرجت عن طوق أسوار القدس القديمة، وذلك مع قيام "منظمات الهيكل" باقتحام جماعي للأقصى الشريف بمناسبة ما يسمى "توحيد القدس" يوم 28 من رمضان.
وأمام ما شاهدناه في الأيام القليلة الماضية، في القدس وتحديداً في المسجد الأقصى المبارك يبدو لنا أن تاريخ المسلمين مثل أي تاريخ، ويجب ألا يُختزل في صورة مثالية براقة، بل إننا نحتاج كثيرا إلى أن نهدئ وتيرة دراسة تاريخ الأمجاد والانتصارات لصالح مراجعة تاريخ الهزائم والخيانات، فلحظات الانهيار قد تكون أشد كشفا للحقيقة من لحظة الصعود.
لقد كان يوم الإثنين الماضي فاصلاً وحاسماً في الصراع المقدسي مع المتدينين اليهود فبالرغم من اقتحام المسجد الأقصى بهدف ترويع المصلين وتفريغه منهم لتهيئة المكان لاقتحامات المتطرفين الذين وصل عددهم إلى ألفي مقتحم، زحف الفلسطينيون من كافة المناطق باتجاه الأقصى لإحياء ليلة القدر والاعتكاف وتصدوا لمخططات المستوطنين، وذادوا عن حياض الأقصى الذي سيبقى يأن تحت وطأة الإقتحامات المتتالية إلى أن يأتي الله بأمره.
وعلى الطرف الآخر أظهرت المقاومة الفلسطينية في غزة ثباتاً يؤشر إلى تصاعد قوتها في مواجهة الجيش المحتل الذي لا يمكن له أن يجعل من القطاع الجنوبي ساحة المعركة الا من خلال انتهاكاته التي تعود عليها، فهو بالاصل ليس جيشاً بمعنى الكلمة وانما قطعان من العصابات المدربة والمجهزة لارتكاب المجازر وقتل السكان العزل الأبرياء.
ما يحدث اليوم في غزة هو أن الشعب الفلسطيني توحّد بكل مكوناته وتياراته في معركة الدفاع عن القدس، ووقف في خندق الدفاع عن المقدسات، وأن المقاومة الفلسطينية أرغمت الاحتلال على سحب متطرفيه بعيدا عن المسجد الأقصى، وأن الغزيون أثبتوا للعالم أن معادلة الاستفراد بالمسجد الأقصى والقدس من قبل الاحتلال والعبث فيهما واستباحتهما لم تعد مقبولة، وأن ما قامت به غزة هو الدفاع عن الشرف الفلسطيني الذي لا يمكن أن يدنس تحت اي ظرف من الظروف.
على الطرف الآخر فإن الاحتجاجات بالداخل الفلسطيني وإسنادهم للقدس والتضامن مع أهالي الشيخ جراح، هي رد على كل من اعتقد بوجود قوى سياسية عربية من الداخل داعمة ومساندة ومؤيدة لأي حكومة إسرائيلية، فالهبة الشعبية بددت الوهم بأن فلسطينيي 48 يمكن أن يتأسرلوا، فقد استذكرت اللد مشاهد 73 عاما من النكبة التي تجلت فصولها باستشهاد موسى حسونة على طريق المسجد الكبير، برصاص مستوطن، خلال الاحتجاجات التي شهدتها المدينة نصرة للقدس والأقصى، ورفضا للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
العصابات الصهيونية ارتكبت بمثل هذه الفترة من عام 1948، مجزرة بحق السكان، ووصل عدد الضحايا من المدينة إلى 250 قتيلا، واستشهاد حسونة أشعل اللد والعشرات من بلدات الداخل بمواجهات ليلية مع قوات الشرطة الإسرائيلية، التي قمعت أي تجمهر وحركات شعبية مناصرة للقدس وداعمة للشيخ جراح ومنددة بالعدوان العسكري على قطاع غزة، فالداخل الفلسطيني يعتبر الرئة التي تتنفس بها القدس التي عزلت عن امتدادها في الضفة.
إن المعادلة الأساس لقراءة مشهد الاحتجاجات والحراك الشعبي، أن المجتمع العربي بالداخل جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، يفرح لفرحه ويتألم لألمه، وأن "الظلم الذي مارسته إسرائيل بمختلف أذرعها والتحدي الكبير لمشاعر المسلمين في رمضان أيقظ الضمائر والوعي وحرّك المشاعر وعزز من الهوية الوطنية والدينية لدى نفوس الشباب"، سواء في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ومدن وبلدات مناطق 48، أو في العواصم والمدن العربية على إمتداد الوطن العربي، باستثناء أولئك المنبطحين من الخونة والعملاء والحكام العرب.