شباب يغار الزهر منهم، وفتيات محجبات قد تسربلن بالطهر، يدركون أن أقصاهم في خطر، فيهبون لنجدته، ويقتحمون الأهوال، ويخاطرون بأرواحهم غير هيابين، يحاصرهم جنود العدوان بالعشرات، يتكالبون عليهم بكامل أسلحتهم، ووافر جبنهم، يبطشون بهم، يضربونهم، يسحلونهم، يطأون على رقابهم، يكبلونهم، فتنفجر أرواحنا بالأسى، وتفيض عيوننا بالدموع، وتنشحن قلوبنا بالغيظ.
لكن وسط هذا المشهد القاتم تطل علينا ابتساماتهم تُشرق كالصباح عند الفجر، وتستطيل أمامنا قاماتهم، يمشون بين أعدائهم رافعي الرؤوس، واثقي الخطوة، رغم معرفتهم يقينا بالأهوال التي تنتظرهم، لكن تأبى جينات العماليق أن تغادرهم، فنفهم جيدا قوله تعالى :
" إن فيها قوما جبارين " .
ما أجمل ابتساماتهم ! يبتسمون لأنهم يرون ما لا نرى، يرون بزوغ الفجر عندما اشتدت حلكة الليل وخيم الظلام، يرون المستقبل الباسم بعد طول رحلة العذاب، يرون نصر ربهم الذي لا يخذل عباده، يرون رايات العز المعطرة بدماء الشهداء تخفق فوق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، يرون عمر بن الخطاب ينظف المكان لأجيال المؤمنين المتراسلين عبر القرون، يرون صلاح الدين يستمع إلى خطبة القاضي محيي الدين يوم التحرير، ويسمعون صرخات التكبير تتردد بين الأرض والسماء .
قم يا إبراهيم طوقان، فكلماتك في وصف هؤلاء الشباب قبل مئة عام ما زالت تعبق في أرجاء المكان، ويستعيدها الصدى زمانا إثر زمان :
عبس الخطب فابتسم وطغى الهول فاقتحم
رابط الجأش والنهى ثابت القلب والقدم
لم يبالِ الأذى ولم يُثنه طارئ الألم
يرد الموت مقبلا صعّد الروح مرسلا
لحنه يُنشد الملا أنا لله والوطن