نقع بنفس الخطأ .. معضلة العملات الرقمية
د. محمد عدنان الحموري
14-05-2021 06:18 PM
يعتبر الاستثمار بالاموال أحد مرتكزات الحياة لانك لا تعلم ماذا سيحصل غدا، فإن اعتمادك على مصدر دخل واحد قد يعرضك للمشاكل ويضعك في مواقف محرجة، لذا يلجأ البعض إلى إنشاء مشاريع صغيرة كدخل اضافي ومنهم من يقوم باستثمار جزء في سوق الأسهم، ومنهم من يقوم باستثماره في الدراسة والتقدم العلمي، ومنهم من يشارك في مشروع قائم او مشروع جديد، وهذا جميل ومن حق اي شخص ان يعمل ما يحلوا له بالطريقة التي يفضلها، حيث أنه من قام بجمع الأموال لاستثماره الخاص وليس بالضرورة أن يوافقك الرأي كل من حولك على ما تنوي القيام به.
مؤخرا وبسبب الظروف الاستثنائية التي يشهدها العالم بعد تفشي وباء كورونا وإغلاق شبه كامل لجميع الانشطة التجارية والنقل، وتسريح أعداد كبيرة من الموظفين، ومن بقي على رأس عمله تم خصم نسبة من راتبه الشهري، بالاضافة ان غالبية الدول لم تتخذ إجراءات اقتصادية مقنعة للحد من هذه الازمة. فأصبح العديد من الاشخاص حول العالم يبحث عن مكان اخر او فرصة تعتبر مصدر إضافي للدخل، وتوجهت الأنظار للعمل على الانترنت من خلال إنشاء مواقع الكترونية وصفحات لمتاجر على وسائل التواصل الاجتماعي، وازدهر هذا التوجه وارتفع عدد المواقع والصفحات على الانترنت والخدمات المقدمة الى ان اصبح الوضع شبيه الى حد كبير نوع التجارة التقليدية وهي أن الأشخاص عندما يرون بقالة او مطعم او مقهى ناجح يتسارعوا إلى إنشاء نفس الفكرة.
منهم من ينجح ولكن تفشل الاغلبية لعدم توفر المعرفة او عدم توفر المادة أو صعوبة تطبيق المشروع على أرض الواقع. تكرر هذا المشهد في عالم الانترنت حيث ارتفع عدد مقدمي نفس الخدمة أو السلعة الى ان اصبح العدد كبير فاق معدل الطلب على تلك الخدمة أو السلعة.
لذا لجأ البعض الى البحث عن فرص اخرى تحقق دخل كبير في وقت قصير وفي ظل ظروف كالتي نشهدها مؤخرا وبفضل المواد الدعائية الذكية جدا على شبكة الانترنت واختيار الوقت المناسب، واستقطاب المؤثرين في تلك الوسائل توجه البعض الى سوق العملات الرقمية.
لن نستعرض تاريخ العملات الرقمية وما تحدث عنه الباحثين ورجال الأعمال وهل هي فعلا المستقبل؟ سأتحدث هنا عن أسفي الشديد عندما ارى هذا الجنون المفتعل من جهات لا اعلم عنها أكثر مما تعلم أنت عزيزي القارئ، كيف لنا أن نقع في نفس الفخ كل مرة، شهدنا ظروف استثمارية غامضة على مدى العقود الماضية وكل مرة يخسر غالبية المراهنين عليها.
هل العملات الرقمية واقع؟ نعم، حيث تخطت احد العملات حاجز الترليون دولار في قيمتها، هل تكنولوجيا البلوك تشين التي تقوم عليها فكرة العملات الرقمية حقيقية وتعتبر المستقبل؟ نعم، هل تتوقع ازدهارا العملات الرقمية وتكنولوجيا البلوك تشين؟ نعم، هل تتوقع ان ما يحصل من تداول اسعار العملات الرقمية في آخر فترة هو وضع طبيعي لأن الأشخاص يرون فيها المستقبل؟ لا، لنكون واقعيين 99٪ من متداولي العملات الرقمية لا يعلم عنها شيء، والفئة الأخطر هي من تظن نفسها انها تعلم عنها شيء وهذا أسوأ، فقد خرج علينا بعض الأشخاص محللين وخبراء في مستقبل وتداول العملات الرقمية وأصبح كل من لا يتاجر بها يعتبر انسان غير عصري ولا يعلم عن المستقبل شيء.
العملات الرقمية شيء غامض حيث انك لا تعلم من هم الأطراف في هذه التجارة، في أي سوق آخر حتى في سوق الأسهم هناك معرفة مسبقة بأن كل شيء واضح لجميع الاطراف كيف ستقوم بالاستثمار ومن المسؤول عن تتبع المعاملات وأين ومتى تستطيع سحب استثمارك وماذا يستفيد كل من الأطراف وما هي العوامل التي تؤدي إلى الربح أو الخسارة وفي عالم العقار وتجارة السيارات، حتى في عالم الكازينوهات والقمار قبل الدخول أنت تعرف من هم الأطراف وكيف ستراهن، وهناك اتفاق ضمني من الرابح ومن الخاسر، ولكن هنا في عالم العملات الرقمية لا يوجد هذا الوضوح، هل هناك من استفاد من تجارة العملات الرقمية؟ نعم، منهم من حقق الملايين وهم قلة وبعضهم اصدقائي الذين قاموا بدورهم بتشجيع اصدقائي الآخرين على الدخول الى هذا العالم من خلال الجملة المشهورة (جرب بمئة دولار انت شو خسران) وينتظر الاغلبية بفارغ الصبر للوصول الى اهدافهم وأرباحها التي للأسف لن تصل،
ولا ننسى ذكر ما حصل في الأسابيع القليلة الماضية في تركيا، حيث قامت أحد الشركات المنظمة لعملية التداول في سوق العملات الرقمية بإغلاق أبوابها ولم يستطيع 265 ألف عميل من الدخول الى حساباتهم، وقام مالك الشركة بالفرار من تركيا بمبلغ مليار ونصف دولار. انا لست ضد العملات الرقمية وتكنولوجيا البلوك تشين انا ضد من يصدق هذا الكذب ويروج له بأنها تجارة للجميع ويجب محاولة الدخول إليها لتحقيق عائد سريع وسهل ومضمون، لأنك في الغالب لا تعلم ما تتحدث عنه. ولا اظن انه من الحكمة المراهنة على تجارة او سوق مهما كانت الظروف يقع مصيرة تحت رحمة تغريدة من ايلون مسك.
لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين