كلما التقيت شاباً أو فتاة أو رجلاً أو امرأة أو حتى طفلاً ممن شاركوا في مسيرات الألم الكبير , تعبيراً عن رفضهم لعذاب أهلهم في فلسطين , ألمس فيهم وجع الرافضين لألم الحسين بن علي ! فالجراح والندوب والكسور ونزيف الصدور والظهور, أراها لا تمنعهم من المشاركة في كل مسيرات الرفض ! وأراها بحجم افترائها على الشباب والولدان والرجال مقبولة مرشوشة بالحزن والنواح ….. ! يتحسسون التحطيم ومنهم من يتحسس الاختناق في المستشفيات وما زال يتلقى العلاج , وهم يرتعدون للتعبير عن اندفاعهم للصرخة وقول كلمة يسمعها العالم ! وكلهم يأنسون الأمل في أن يسمعهم العالم ! ويرفعون أياديهم تحية الإكبار والإجلال لجرح الحبيبة فلسطين , ويرون شبابها وولدانها ورجالها ونساءها وفتياتها , وأهلها في كرب عظيم ويصرخون للدنيا !
وأن ما يجري في العالم العربي الكريم من فورة للناس وغضب , هو لإسماع صوت نصرتهم وغليانهم الرافض , وما يشعله الأحرار والشباب والفتيات والولدان في الغرب من مناديل احتجاج وغضب ضد نازية الكيان الصهيوني , ومن مسيرات ومظاهرات وهتافات وبيانات للعالم يرفعون بها أصواتهم , لهي الوسيلة التعبيرية المتاحة والحضارية في ظل مقتل الحضارة القانونية والعدالة ! وقيام الناس وخروجهم من دورهم وأعمالهم واستنكافهم عن أرزاقهم , لأجل رفع كلمة حزن وغضب وصرخة ولافتة تعبير , لهي الرسالة الوحيدة المقروءة في الدنيا النائمة على فراش الضحايا والمجازر والعذابات الفلسطينية !
كلهم يطرحون أرضاً ويهشمون ! وكلهم بلا استثناء وبلا رحمة تهوي عليهم العصي الضخمة كيفما اتفق , وكلهم من طبيبهم ومحاميهم وشخصياتهم الوطنية وجمالياتهم الوظيفية , وطلابهم وفتياتهم المجتهدات النشطات , ونسائهم الثكالى , والكاتبات والأديبات والشاعرات والحزينات , والسود والبيض والصفر وغراب البين , تهوي عليهم القنابل المسيلة للدم والدمع وعصي التكسير الفخمة المدببة ! وهي مسيرات حاشدة للرايات التعبيرية والكلمة فقط ! وأقل ما فيها عنوان الشعور والإحساس ! فمن سيسمع صوت الحر والمر والباكي واللاطم على جبهته في داره لو لم يصرخ للعالم كفى ؟ وقد تعودنا أضعف الإيمان ؟
والعجيب أن عطش الناس ووجعهم في سبيل إفشاء الشعور الملتزم , وفي سبيل إفشاء كلمة الاحتجاج على المذابح ضد أهلنا في فلسطين , بات مألوفاً , حميماً , والتهشيم والضرب المبرح المغلول متوقعاً في كل مسيرة , ورغم التكبد وتوقع الجلد إلا أن في النفوس الإنسانية عرباً ومن كل أنحاء الدنيا , أملاً كبيراً بالمسير والتعبير , ومخاطبة الضمير , وإلقاء تحية الله يعطيك العافية للشرطي ورجل الأمن المدجج بالهراوات والقنابل والكرابيج ! واعتباره جزءاً لا يتجزأ من الإحساس والانتماء للحزن الفلسطيني ؟ الحزن الذي بات وهو يعرف ذلك تماماً , أنه الحزن الأبدي وقد اشتد عطش الحسين بن علي ودنا من الفرات ليشرب , فرماه حصين بن نمير بالسهم , فنظر الحسين حوله وقد مكث في الشمس طويلاً , وقد صلى صلاة الخوف وانهمرت دموعه وبكى ! وحينما ناحت أخته زينب وقالت لعمرو بن سعد : أيقتل الحسين ( أبو عبد الله ) وأنت تنظر إليه ؟
دفقت عيناه من الحزن وسالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها ! وظل الحسين بن علي يقوم بين الرماح ويكبو وينزف ويصلي , حتى ترك وراءه من يمتلئون بالندم والألم والحزن إلى يوم يبعثون !