لست متأكدا ان كانت الحكومة ستنجح في اثبات شعارها المرفوع باجراء انتخابات حرّة ونزيهة. كما لا اراهن ان كانت قادرة على الوفاء بما تعهدت به للملك بتنفيذ توجيهاته التي جاءت في كتاب التكليف بنزاهة العملية الانتخابية. ولست وحدي من يجهل مصير شعار نزاهة الانتخابات. الكثيرون - ان لم تكن الاغلبية الشعبية في الاردن- اصبحوا يعانون من حالة عدم الثقة بالوعود الحكومية. واذا كانت الحكومة تجهل هذه الحقيقة فمرد ذلك غياب التواصل الحقيقي بينها وبين الناس.
تنجح الحكومة في تجسيد هذا الشعار, اذا ما ادت اجراءاتها وسياساتها وقراراتها الداخلية خلال الشهور المقبلة التي تفصلنا عن يوم الاقتراع الى خلق مناخ معركة انتخابية تنافسية شريفة بين الاردنيين. ومعالم ذلك لن تكون التصريحات الرسمية التي تفتعل مثل هذا المناخ انما في توسيع مناخات الحرية في التعبير, امام الصحافة ووسائط الاعلام والاحزاب وفعاليات المجتمع وافراده, مرشحين ومواطنين, بما يخلق اجواء مزدحمة ببرامج ووعود المرشحين المتنافسين, ومناخات حرّة للتعبير والنقد من على المنابر وفي مقرات الانتخاب, في الصحف ووسائل الاعلام, وبما يساعد على تغيير القناعة الشعبية في مفردات الرواية الانتخابية المعروفة وسوابقها: المرشح الفلاني يدفع كذا ثمن الصوت! فلانا مرشح الدولة ومنافسه ساقط سلفا. مما يجعل الحديث عن "النزاهة" محل سخرية واستغراب!! .
في انتخابات عام 1989 التي جاءت بمجلس نواب قوي لا يزال يعتبر سجلا ابيض في الانجازات الديمقراطية في تاريخ الدولة, لم يتحقق ذلك لان الحكومة آنذاك وعدت بانتخابات نزيهة, او لان نظام القائمة الانتخابية كان قائما على اساس تعدد اصوات الناخب, ما حدث ان البلاد عاشت آنذاك اجواء حقيقية من الحرية في التعبير والنشر والتجمع, وعلى سبيل المثال, كانت الصحف الاردنية تصدر, من دون استثناء, وهي تحمل أجرأ المقالات, واصدق التحليلات والمبادرات والافكار, التي ولّدت الثقة بنزاهة الانتخابات ومهدت لحياة سياسية منفتحة امتدت حتى بدايات القرن الحالي.
في ظل الخمول العام الذي تغرق فيه الحياة السياسية في البلاد في السنوات الاخيرة الناجم عن سقوط المنابر وتراجعها واختفائها وغياب الثقة بوعود الاصلاح الحكومي. لم يعد هناك في الساحة غير الصحافة ووسائل الاعلام لِدَبّ الحياة والنشاط في الرأي العام "جمهورا ومرشحين" من اجل خلق معركة انتخابية حقيقية كما يحدث في دول العالم, الديمقراطية ونصف الديمقراطية.
من دون رقابة ومتابعة مهنية مخلصة, جريئة وأمينة تحت مظلة القانون, من منطلقات وطنية واخلاقية ملتزمة, فان دور الصحافة ووسائل الاعلام سيكون هامشيا منزويا الى جانب الاغلبية الشعبية الصامتة, كما حدث في الانتخابات الماضية التي كانت بالنسبة للاردنيين "انتخابات عند الجيران". فَنَدَرَ ان نُشر في الصحف ووسائل الاعلام اعلان انتخابي للمرشحين او خبر عن مناظرة او مهرجان انتخابي "من دون مناسف وكنافة" مهرجانات لا تستحق كتابة سطر واحد, لقد كانت انتخابات في الظلام ازدهرت في ظل نتائجها "سياسة بيوت العزاء" التي ظلت المكان الوحيد للتعبير الحر وتداول الاخبار والمعلومات, الصحيح منها والخطأ.
taher.odwan@alarabalyawm.net
العرب اليوم.