عبر اربعمائة صفحة ، تقرأ كتاباً فريداً مترجماً للعربية عنوانه "تزوجت بدويا" وكاتبته هي "مارغريت فان غيلديرملسين" الهولندية الاصل ، وتحكي فيه قصتها بالزواج من اردني يعيش في كهف في "البترا".
مُبدعة هي حين تروي لنا كيف وصلت الى الاردن ، وتعرفت على زوجها "محمد" وتزوجته في وقت لاحق وعاشت معه ثلاثة وعشرين عاما ، وتأخذك الى عالم جميل من التفاصيل ، حول الحياة في كهف ، وكيف اندمجت مع الناس ، وتشرح لك تفاصيل حياة البدو في تلك المنطقة ، وكيف باتت واحدة منهم.
عاداتهم كرمهم طعامهم ، نخوتهم ، وكل مناسباتهم ، وكيف عاشت بينهم ، وتعلمت كل شيء من العجن الى خبز الشراك ، وصولا الى جلب الماء ، وأكل المنسف ، وكل تفاصيل الحياة اليومية ، بما في ذلك تربيتها لثلاثة اطفال انجبتهم ، درس بعضهم في اهم جامعات العالم ، بعد ان شبوا في تلك المنطقة ما بين كهوف البترا ، والوحدات السكنية التي امّنتها الحكومة للناس انذاك ، وتروي لقاءها بالملك الحسين والملكة نور واليزابيث ملكة بريطانيا التي زارت المنطقة.
في رحلتها الاخاذة تروي "مارغريت" كيف رحّب بها الناس ، وهي الممرضة في الاساس ، التي استفادت من تعليمها لمداواة المرضى في تلك المنطقة ، وما هو لافت للانتباه حقا هي "الردة" عن الحياة الغربية ، وهي تقول لكل واحد فينا ان خصوصية حياتنا وطبيعتها لا تمس احدا ، وليس من حق احد فينا النفور منها ، او اعتبارها مدعاة للتبرؤ ، او التعالي عليها.
تشرح في كتابها قصة حياتها ، وتجعلك تحترم زوجها بشدة الذي رحل قبل سنوات ، بعد مرضه بالسكري ، لانه منحها حريتها وخصوصيتها ، وتعامل معها بحب كبير ، واذ اصطحبته في وقت لاحق الى دول غربية ، فقد سجلت قدرته على العيش في كل مكان ، وفرادته في اثبات ان بيئته البدوية انجبت شخصاً من طراز نادر ، عاش لاحقا في مدن غربية وتكّيف فيها بسرعة.
اجمل ما في الكتاب انه يصف البترا والشوبك وحياة الناس وتداخل العلاقات الاجتماعية ، والبساطة والطهارة التي يتصف بها الناس ، وتصف الناس هناك بمفردة "النشامى" وكأنها ابنة القبائل منذ الف عام.
ترسم بريشة ماهرة قصة الانباط ، والمملكة العربية الممتدة في تلك المنطقة الى مناطق اخرى ، وُتحّدثك عن الاثار والحروف والرموز ، وعن كهوف البترا ، وحياة الناس ، وتنقلها على القدمين لاكتشاف اماكن كثيرة ، وتنقلك الى ساعات السمر في الكهوف واعداد ابريق الشاي ، وتلقائية الناس في معاملتهم لبعضهم البعض.
الكتاب ناطق ، وكأنه كائن حي يتحدث اليك ، وهو ايضا في نسخته الانجليزية ، افضل مليون مرة من كل حملات الترويج للبترا ، لان فيه نصوصا تضج بالحياة ، وتجعلك تتمنى فقط ان تعيش بين الناس ، ومن اجلهم ايضا.
للجنوب سره ، وسحره ايضا.(الدستور)
mtair@addustour.com.jo