ليس صحيحاً أن صندوق النقد الدولي قدّم للأردن مجموعة من (المطالب) تقتضي فرض ضرائب أو إلغاء إعفاءات ضريبية، فما قدمه الصندوق هو مجموعة من (النصائح) غير الملزمة، التي تستطيع الحكومة أن تأخذ بها كلها أو بعضها، أو أن تهملها، ولكن في الحالة الأخيرة لا يستطيع أحد أن يلوم الصندوق إذا وقعت أزمة مديونية أو أن يتهمه بالفشل في إعطاء إنذار مبكر لتجنب الأزمات.
هذا الموقف المتحفظ من طرف الصندوق يمثل ردة فعل للانتقادات والاتهامات التي وجهت إليه لأنه فشل في التحذير من أزمة وول ستريت الأميركية التي هزت العالم، كما فشل في التحذير من أزمة اليونان التي هزت أوروبا، تماماً كما فشلت مؤسسات التصنيف العالمية مثل ستاندرد أند بورز وموديز التي أصبحت تلحق الأحداث وتتحرك بعد وقوع الأزمة بدلاً من أن تكون مصدراً للإنذار المبكر.
أزمة اليونان الراهنة ألقت ضوءاً جديداً على مدى خطورة عجز الموازنة الذي يبلغ في حالة اليونان 5ر13% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي تضخم المديونية الثقيلة التي لا يستطيع الاقتصاد الوطني أن يواجه أعباءها، فيتوقف البلد عن الدفع، ويطلب من العالم أن يهب للإنقاذ مقابل التنازل عن سيادته والرضوخ للتعليمات والشروط القاسية التي ستفرض عليه.
المديونية في الأردن تقترب من السقف المقرر وهو 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي في حالة ارتفاع بالأرقام المطلقة، وستظل ترتفع طالما أن هناك عجزاً في الموازنة العامة، لأن العجز يغطى بالاقتراض.
الجانب الإيجابي في حالة الأردن أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية ينمو بمعدلات مرتفعة تسمح بتخفيض المديونية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بالرغم من ارتفاعها بالأرقام المطلقة.
الحكومة الأردنية ليست بحاجة لتحذيرات ونصائح صندوق النقد الدولي، ولم تنتظرها، فهي تدرك تماماً مدى خطورة عجز الموازنة وارتفاع المديونية، وقد قامت ببعض الإجراءات في هذا الاتجاه، كما وعدت بقرارات (صعبة) لمواجهة هذا الخطر الذي علينا إدراكه وتفهم وسائل العلاج ومبرراتها.
أمن الأردن الاقتصادي هو مسؤولية الحكومة، وليس مسؤولية جمعية حماية المستهلك مع الاحترام، ولا مسؤولية طلاب الشعبية الذين يقاومون كل تحرك لإصلاح الوضع المالي للخزينة.
الراي.